الوقفات التدبرية

آية (١١٠) : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ...

آية (١١٠) : ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ * جاء لفظ ﴿كُنْتُمْ﴾ بصيغة الماضي أي هذا وجودكم هذه كينونتكم، ﴿كان﴾ لا تشير الى الماضي دائماً ولكن بحسب موقعها قد تشير الى معنى الاستمرار ﴿وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ يعني هذا شأنه سبحانه وتعالى أنه غفورً رحيم. * الأمّة في اللغة لها أكثر من معنى: - من معانيها الجماعة من الناس الذي هم على فكر أو على إعتقاد واحد، فالآية لا تعني العِرق العربي وإنما أمة الإسلام فبدخولكم هذا الدين ومن دخل معكم تكونون أمة. - ومن معانيها الرجل المتفرد في علمه، في خلقه، لما يكون منفرداً في شيء يقولون فلان أمة يعني كأن الأمة اجتمعت فيه بكل عقولها بكل أذهانها. - من معاني الأمة الرجل المُتّبَع. وكِلا المعنيين الأخيرين يصلح على إبراهيم الرجل الذي لا نظير له والإمام المتّبع ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا﴾. * ﴿أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ مبني للمجهول ما قال خرجت لأن الله سبحانه وتعالى أخرج هذه الأمة الإسلامية إخراجاً على نمط معيّن كما يريد ولم تخرج من تلقاء نفسها وليست برسالة كما تخرج الحشائش ولكنها أُخرجت وفق منهج معين معدّ واختيار دقيق. * المعروف هو ما تعارف عليه الناس واتفقوا عليه بشرط أن لا يصطدم بشرع أي لا يحلّ حراماً أو يحرّم حلالاً، أما المنكر فهو ما استنكره الناس كالكذب والغش والغدر والاعتداء على الآخرين والخوض في الأعراض والخيانة وغيرها. * دلالة تقديم وتأخير ﴿وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ في آيات سورة آل عمران: - قدّم ما هو الأهم في هذا المقام للتنويه بفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتأخر الكلام عن الإيمان دليلاً على أن إيمانهم ثابت محقق من قبل وتأخير ما هو أقوى في الرتبة لا يضعف من أهميته وإنما يزيد من أهمية ما سبقه. - الخطاب في هذه الآية ١١٠ هو للمسلمين ونحن آخر الأمم من حيث الترتيب الزمني فجاء الإيمان بالله آخراً لأن هناك من سبقونا بالايمان من أهل الكتاب من اليهود والنصارى، أما في الآية (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤)) فالخطاب لأهل الكتاب الذين أسلموا قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي زمن أنبيائهم موسى وعيسى عليهما السلام لذا جاء قوله تعالى يؤمنون بالله أولاً في الترتيب ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. * فى سورة الحديد قال تعالى ﴿وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ وفي آل عمران استخدم إسم التفضيل ﴿وَأَكْثَرُهُمُ﴾ : كثير على وزن فعيل وهي صفة مشبهة، أكثر إسم تفضيل يعبّر بـه إذا كان السياق في تعداد أسوأ الصفات والإطالة في ذكرها. فى سورة الحديد قال سبحانه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا .. وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (٢٧)) فالكلام عن أهل الكتاب قليل ومابعده ليس له علاقة بهم. أما في آل عمران فالآيات من (٦٥- ٧٨) ومن (٩٨- ١١٥) آيات كثيرة أفاض فيها في ذكر أهل الكتاب فقال ﴿أكثر﴾. * عبّر تعالى بكلمة ﴿الْفَاسِقُونَ﴾ وليس الكافرون مع أن مؤمن عكسها كافر، وفاسق عكس طائع وهو الخارج من منهج الله تعالى وهو أسوأ أنواع الكفار (.. فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ .. (٥٠) الكهف)، والآية تتحدث عن أهل الكتاب الذين كفروا وهم يعلمون أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق من قبل أن يُبعث ويعرفون صفاته في كتبهم التي حرّفوها وكفروا به بعد البعثة، فكان من الأنسب استخدام لفظ الفاسقين بدل الكافرين.

ﵟ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﵞ سورة آل عمران - 110


Icon