الوقفات التدبرية

آية (١١١) : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ...

آية (١١١) : ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾ * الفرق بين الضرر والأذى: - الأذى هو الحدث الذي يؤلم ساعة وقوعه ثم ينتهي، أما الضرر فهو أذى يؤلم وقت وقوعه، وتكون له آثار من بعد ذلك، فعندما يصفع الإنسان إنسانا آخر فالصفعة البسيطة تؤلم لكن ألمها يذهب مباشرة، لكن إذا كانت قوية وتسببت في كدمات وتورم فهذا هو الضرر. - قد يكون الأذى بالكلمة كاستهزاء الفاسق بالمؤمن، هذه الكلمة ليس لها ضرر في ذات المؤمن ولكنها تؤذي سمعه. الحق سبحانه يطمئن المؤمنين على أن أهل الكفر لن يضروا المؤمنين إلا الأذى بالاستهزاء أو الغمز واللمز ، وهذا أقصى ما في استطاعتهم، وليس لهذا الأذى أثر. * استخدام الفعل المضارع في الآية ﴿يُقَاتِلُوكُمْ ﴾ ﴿يُوَلُّوكُمُ﴾ تفيد الاستمرار لأن القتال ضد الدين مستمر. * ﴿يُقَاتِلُوكُمْ﴾ فعل شرط مجزوم بحذف النون و ﴿يُوَلُّوكُمُ﴾ أصلها يولونكم وهي جواب شرط مجزوم أيضاً، وعندما يأتي العطف بعد ذلك، فالعادة أن يكون العطف بالجزم!! لكن الحق يعطف بالرفع فيأتي قوله: ﴿ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ﴾. إنها كسرة إِعْرَابِيّة تجعل الذهن العربي يلتفت إلى أن هناك أمرا جللًا، لأن المتكلم هو الله سبحانه. كيف جاءت " النون "؟ هنا نقف وقفة فَلننطق الآية ككلام البشر: إن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصروا. وهذا القول يكون تأريخا لمعركة واحدة، لكن عندما يقاتل المؤمنون أهل الكفر والفسق من بعد ذلك ما الذي سوف يحدث ؟ الإجابة هي: ﴿ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ﴾ إن هذا القول الحكيم قضية ثابتة منفصلة، حكم من الله على أهل الفسق بأنهم لا يُنصرون أبدًا سواء أقاتلوا أم لم يقاتلوا، وليست معطوفة على الشرط، فعلة عدم النصر ليست القتال، ولكنها الكفر. * قد يظن إنسان أن القول كان يفترض أن يتأتى على نحو مغاير هو (يولوكم الأدبار فلا ينصرون) لأن الذي يأتي بعد الـفاء يعطي أنهم لا ينتصرون عليكم في بداية عهدكم، وهذا ما تفيده الفاء لأنها للترتيب والتعقيب المباشر بدون تراخ. لكن الحق أورد حرف ثم وهو يفيد التراخي، وهذا يعني أنهم لا ينتصرون عليكم أيها المؤمنون حتى لو استعدوا بعد فترة لمعركة يَرُدُّن بها على توليهم الأدبار. إنه حكم تأبيدي مستمر من الحق بأن أهل الفسق لن ينتصروا على أهل الإيمان، ولم بعد انتهاء المعركة القائمة الآن بينهم، إنها هزيمة بحكم نهائي. * ﴿ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ﴾ أشد وقعا مما لو جاء (لاَ ينتصرون) لأن من الممكن ألاّ ينتصر أهل الكفر بذواتهم، ولكن الإيضاح يؤكد أنهم لا ينتصرون لا بذواتهم، ولا يُنصرون بغيرهم أيضًا.

ﵟ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ۖ وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ﵞ سورة آل عمران - 111


Icon