الوقفات التدبرية

آية (١٥٣) : (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ...

آية (١٥٣) : ﴿إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ * الفرق اللغوي بين الأجر والثواب والمثوبة : الأجر هو جزاء العمل لكن يقال في الغالب لما فيه عقد أو شبيه بعقد يجري مجرى العقد (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ (٢٧)القصص) ، فالأجر فيه نفع لأنك تتعاقد مع أحد على شيء ، والأجر في الغالب يكون في الأعمال البدنية في الطاعات . الثواب في اللغة يقال في الخير والشر لكن القرآن لم يستعملها إلا في الخير والثواب وهو جزاء على العمل . المثوبة من الثواب ولكن القرآن استعملها في الخير والشر (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ (١٠٣)البقرة) (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ (٦٠)المائدة) ، أثاب يستعملها في الحزن (فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ (١٥٣)آل عمران) . * دلالة كتابة ﴿لِكَيْلَا﴾ موصولة في آل عمران و ﴿كَيْ لَا﴾ منفصلة في سورة الحشر: خط المصحف لا يقاس عليه أصلاً لكن يبدو في هذا الرسم ملحظ بياني يتناسب مع الأحكام والله أعلم؛ ففي آية آل عمران جاءت متصلة لأن المعنى يدل على أن الغمّ متصل بغمّ الهزيمة وغمّ فوات الغنائم، أما في آية الحشر ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ (7)﴾) هنا يريد أن يفصل الأموال فلا ينبغي أن تبقى دُولة بين الأغنياء وإنما يجب أن تتسع لتشمل الفقراء ففصل في رسم ﴿كَيْ لَا﴾. * الفرق بين تأسوا وتحزنوا هنا وفي الآية (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(٢٣)الحديد) : - كِلا الفعلين يدل على الحزن: حزِن يحزَن فعل لازم (وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ (٨٨)الحجر)، وحزَن يحزُن متعدي؛ حزنني وأحزنني (فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ (٧٦) يس) الكاف مفعول به. الفعل أسي يأسى (فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (٩٣) الأعراف). - في الحزن مشقة أكثر وشدة على النفس لأنه قريب من معنى الحزْن الذي هو الصعب والغلظ والشدة في الأرض (وأنت تجعل الحزْن إذا شئت سهلاً) ولكنك تجتازه وانتهى الأمر، أما الحُزن هو الغلظ والشدة في النفس فهو أثقل على النفس لأنه يبقى. في آل عمران هذا الكلام بعد واقعة أُحد وما حصل لهم من شدة ومشقة وهزيمة وجراح وما فاتهم من الغنائم كانت شديدة عليهم، فالحزن على أمرين لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الغنائم ولا ما أصابكم من الجراح. في الحديد ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ﴾ الحزن على أمر واحد ما فاتهم فقط، كما أنه في الحديد لما قال ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ قال ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ هذا يفخر بما آتى، بينما في آل عمران هذه حزن فبمَ يفخر؟.

ﵟ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ۚ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﵞ سورة آل عمران - 152


Icon