الوقفات التدبرية

* لماذا ترد السمع مفرد والأبصار ثم القلوب بالجمع (خَتَمَ اللَّهُ...

* لماذا ترد السمع مفرد والأبصار ثم القلوب بالجمع (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) البقرة) ؟ هذه هي الآية الثانية في الكلام على الكفار في أول سورة البقرة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)). هؤلاء كانوا من عتاة الكفرة من الذين علم الله سبحانه وتعالى أنهم قد أقفلوا قلوبهم لذلك يقال لهم (سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم) هذه التصريحات في القرآن تجاه أناس من دلائل النبوة، هذا لا يكون من كلام بشر لأنه ما يكون موقفك لو أن هؤلاء تظاهروا بالإسلام وقالوا نحن أسلمنا؟ يكون الكلام غير وارد، لكن هذا علم الله سبحانه وتعالى. هؤلاء عتاة الكفر أغلقوا قلوبهم. الختم هو الطابَع من الطين،الأصل أن العربي كان يغلق فوهة شيء من الأشياء إذا أراد أن يحفظها ويأتي بشيء من الطين يضعه على مكان عقدة الخيط ويختم بخاتِمه (خاتَم وخاتِم) والآن مستعمل هذا الختم بالشمع الأحمر. متى يختم بالشمع الأحمر؟ على الغلق، يعني يقفل المكان ثم يختم عليهم بالشمع الأحمر وليس وهو مفتوح، إذن هم أغلقوا قلوبهم أولاً فختم الله سبحلنه وتعالى عليها. لا يحتج أن الله سبحانه وتعالى هو الذي ختم فهم مسيّرون لأنهم هم أغلقوا قلوبهم أولاً لأن الختم لا يكون إلا على شيء مغلق. فهم أغلقوا قلوبهم وما عادوا مستعدين للإستماع ولا للتقبّل لذا قيل للرسول  (سواء عليهم أأنذرتهم أو تنذرهم) هؤلاء لا يؤمنون هؤلاءإنتهى حالهم، وهذا الأمر لا يكون لعموم المسلمين لا يقول الإنسان هذا مقفل قلبه لأنك أنت لا تعلم ذلك. إذن الختم لا يكون إلا بعد الإغلاق هم أغلقوا قلوبهم فختم الله عليها. القلب عند العرب هو موطن العقل والتفكير هم هكذا يستعملونه، والدماغ عندهم حشو الجمجمة. في لغة العرب أن الإنسان يعقل ويفكر والعاطفة وكلها في القلب. فالقرآن كلّم الناس أن موطن العقل وموطن التفكير عندهم القلوب، بماذا يتدبر الإنسان؟ بما يسمعه لأن الأصل أن الآيات تلقى إلقاء على الناس.الدعوة شفاهاً، كلام شفاهاً، الرسول  كان يكلمهم فهم إذا أغلقوا قلوبهم ما فائدة أن يأتي كأنهم لا يحتاجون إلى آذانهم. فإذا سمعوا شيئاً هذا الشيء يدعوهم إلى التفكر، إلى النظر (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) السمع هو الوسيلة الأولى الذي يدعوك إلى أن تنظر، تسمع، يقال لك انظر فتنظر. أولاً أغلقوا قلوبهم فختم عليها. الطريق إلى القلوب هو السمع ما عاد ينفع فختم عليها أيضاً والسمع وسيلة التذكير بالإبصار فغشّيت الأبصار﴿غشاوة﴾ لذلك جاء هذا الترتيب الطبيعي ولا يمكن أن يتغير إلا في ظرف معين سنتطرق إليه في سورة الاسراء(وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) . ومن جانب آخر : القلوب ما يحوك فيها التفكير هذا شيء واسع مطلق والإنسان وهو ساكت وفي فكره وفي قلبه و في تفكيره ليس له حدود. النظر أيضاً واسع لكنه لا شك أقل من القلب، أنت تنظر إلى مكان محدود النظر يأتي في الدرجة الثانية في السعة، متنوع، يعني ترى أشياء كثيرة.أما السمع فيستقبل الصوت فقط لا يستقبل شيئاً آخر فالسمع يتعامل مع شيء واحد وهو الصوت اللغوي. البصر يتعامل مع أشياء كثيرة والقلب يتعامل مع أشياء كثيرة أكثر فالذي يتعامل مع الكثير إستعمل له الجمع والذي يتعامل مع الواحد إستعمل له المفرد ﴿السمع﴾. لأنه لو مجموعة من الناس وألقي عليهم آية من الآيات، هم كلهم ستدخل في آذانهم صورة واحدة ستدخل هذه الذبذبات وتترجم في رؤوسهم - إذا كانوا يعرفون العربية - بصورة واحدة لا تختلف ﴿ختم الله على قلوبهم﴾ كلمة كلمة كلمة، عدة كلمات متصلة هذا الذي يستقبلونه فإذن المستقبل في السمع واحد لكن لما استقبلوه كلٌ سيفكر فيه بطريقة خاصة وليس بصورة واحدة، فهذا يقتضي توحيد السمع وجمع القلوب. لما ينظر فيما حوله كلٌ ينظر من زاويته فكلٌ يرى حسب وجهة نظره. القلوب جمع قلب والأبصار جمع بصر ليس عندنا جمع آخر ، قلوب جمع كثرة وأبصار جمع قِلّة وطبعاً كلاهما يستعمل للكثرة والقلة. مما قلناه أن القلوب مشاربها وتهيؤاتها وتصورها شيء واسع فهذا كلام العرب. العرب جاءوا على لغة القرآن. العرب جمعوا القلب على قلوب إحساسهم هذا وجمعوا البصر على أبصار، هذه ميزة للعربية ومن خلال النظر في كتاب الله سبحانه وتعالى. بعض علمائنا يقولون وحّد كلمة السمع لأن صورتها صورة المصدر والمصدر عادة لا يُجمع لأنه يدل على الحدث المطلق. لأن مدركات السمع واحد وهو الصوت بينما مدركات القلوب ومدركات الأبصار متعددة. ما يدركه السمع واحد وهو الصوت اللغوي والترجمة تكون في الذهن أي في القلب والنظر مدركاته كثيرة والقلب مدركاته كثيرة ومدركات السمع هو الصوت اللغوي وهو هذه الموجة. -(لكن العرب جمعت السمع على أسماع )- هنا القرآن استخدم ختم على القلب وعلى السمع والعطف لأنه أراد أن يجمع بختم واحد القلوب والسمع لارتباط الموضوع، لأن موضوع التفكر يكون عن طريق السماع فلما أغلقوا قلوبهم لم يعد هناك فائدة للسمع فختم على الإثنين: ختم على قلوبهم وعلى سمعهم بختمين وليس بختم واحد لأن القلب شيء والسمع شيء آخر. ﴿وعلى أبصارهم غشاوة﴾ هذه جملة جديدة وليست معطوفة ولو أردنا أن نقف نقف على سمعهم ثم نقول وعلى أبصارهم غشاوة. البصر يحتاج لتغطية أما السمع فيحتاج إلى ختم لأنه ليس هناك شيء يغطيه.

ﵟ خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﵞ سورة البقرة - 7


Icon