الوقفات التدبرية

آية (١٩٨) : (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ...

آية (١٩٨) : ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ﴾ * آيتان متتابعتان فيهما ذكر الجنة لكن واحدة من دون خلود (..وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ..(١٩٥)) والأخرى فيها خلود (..لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا..(١٩٨)): أولًا: الذين اتقوا ربهم في الآية الثانية أشمل وأعم من الذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيل الله في الآية الأولى ، فالتقوى من جملته أمور كثيرة نضع معها الأجر الأعلى. ثانيًا: قبل آية الخلود قال (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ (١٩٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ..) عكسه المتاع الدائم فقال بعدها ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ حتى لا يكون متاع قليل، أما في الآية الأولى قال ﴿فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ(195)﴾ هؤلاء داخلين في زمرة الذين اتقوا ربهم، فلما ذكر في المتقين أنهم خالدون دخل فيه أولئك. ثالثًا: في الآية (١٩٥) قال ﴿وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ﴾ وفي الآية (١٩٨) قال (لَهُمْ جَنَّاتٌ..خَالِدِينَ فِيهَا) أن تكون الجنات لهم أعلى من أن يدخلوها دون أن يقتضي التملك فالثانية في الذين هم أعلى وأعم وأشمل فقال ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ رابعًا: أضاف في الآية (١٩٨) نزلاً من عند الله والنزل أعلى لأنه ما يعد للضيف من إكرام فهم في ضيافة الرحمن، أما في الآية (١٩٥) قال الثواب وهو أن تعطي الأجر ولكن ليس بالضرورة أن تنزله ضيفاً. ما ذكره في الآية (١٩٨) ليس فقط ذكر الخلود وعدمه وإنما الثواب أصلاً اختلف والأجور اختلفت فصار الخلود في الآية التي هي أعم وأشمل، وهؤلاء المتقون هم أبرار ﴿وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾ فناسب من كل ناحية أن يذكر علو منزلته. خامسًا: في الآية (١٩٥) قال ﴿فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ﴾ أخرجوا مبني للمجهول، وربنا قال ﴿وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ﴾ مبني للمعلوم هو الذي يدخلهم لم يقل يُدخَلون، وقال ﴿مِن دِيَارِهِمْ﴾ مقابلها ﴿جَنَّاتٍ﴾، هم أُخرجوا بأيدي كفرة من ديارهم والله تعالى يدخلهم جنات. سادسًا: في الأولى تكلم عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات الذين نادوا ربهم وتضرعوا إليه بمناجاة خمس مرات من ﴿١٩١﴾ إلى ﴿١٩٤﴾ فاستجاب لهم ، والثواب هو الجائزة على عمل ايجابي متميز فقال ﴿ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ لأن هؤلاء أحسنوا التضرع، أما ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ﴾ والتقوى مرحلة متقدمة من العمل والطاعة وهؤلاء الأتقياء أولياء الله ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(63)﴾ لهم مواصفات هائلة وأخلاقياتهم وعباداتهم قلّ من يستطيع أن يضاهيها أو يشاكلها فهؤلاء عندما يأتي يوم القيامة سوف يلقون كيف سيضيفهم الله عز وجل فالنُزُل ما يقدم للضيف وهذا النزل على قدر المضيف والضيف فقال ﴿نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾. سابعًا: هذه الآيات في خواتيم السورة ومرتبة بحسب الشدة تمامًا كآخر آية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠)) : ﴿فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ﴾ ﴿وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي﴾ أشد ممن هاجروا ﴿وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ﴾ ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ﴾ يقابلها ↓ يقابلها ↓ يقابلها ↓ يقابلها ↓ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ﴾ ﴿وَصَابِرُواْ﴾ أعلى درجة من اصبروا ﴿وَرَابِطُواْ﴾ لأنهم في الثغور المقاتلة في الحرب ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

ﵟ لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۗ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﵞ سورة آل عمران - 198


Icon