الوقفات التدبرية

آية (۱۱) : (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا...

آية (۱۱) : ﴿الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ * تقديم الجار والمجرور ﴿فِيهَا خَالِدُونَ﴾ للدلالة على القصر وتناسب ذلك مع التقديم في الأوصاف السابقة: في صلاتهم خاشعون، للزكاة فاعلون، لفروجهم حافظون، لأماناتهم وعهدهم راعون، فجازاهم من جنس عملهم، فإن أولئك الذين قصروا أعمالهم على الخير، قصر الله خلودهم في أعلى الجنة ، فلا يخرجون عنه إلى ما هو أدنى درجة منه. *مقارنة بين صفات المؤمنين فى سورتى المؤمنون والمعارج: سورة المؤمنون: آيات سورة المؤمنون في ذكر فلاح المؤمنين بينما سورة المعارج: آيات سورة المعارج في ذكر المعافين من الهلع وقد جعل كل صفة في مواطنها: سورة المؤمنون: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (۱) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (٤) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (۷) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٩) أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (۱٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) سورة المعارج: (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (۱٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢۱) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (٢٣) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ (٢٤) لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (٢۷) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٢٩) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (٣۱) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (٣٣) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٣٤) أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ) سورة المؤمنون: ﴿أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ ذكر صفة الإيمان على وجه العموم المؤمنون بيوم الدين وغيره فما ذكره هنا أكمل سورة المعارج: ﴿ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ ذكر ركنًا من أركان الإيمان، وهو التصديق بيوم الدين سورة المؤمنون: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ الخشوع أعم من الدوام ذلك أنه يشمل الدوام على الصلاة وزيادة فهو روح الصلاة، وهو من أفعال القلوب والجوارح من تدبر وخضوع وتذلل وسكون وإلباد بصر وعدم التفات، والخاشع دائم على صلاته منهمك فيها حتى ينتهي سورة المعارج: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) سورة المؤمنون: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾ وهو كل باطل من كلام وفعل وما توجب المروءة إطراحه سورة المعارج: لم يذكر مثل ذلك سورة المؤمنون: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ﴾ أعم وأشمل فالزكاة تشمل العبادة المالية كما تشكل طهارة النفس فهي أعلى مما في المعارج وأكمل فالزكاة تشمل أصنافًا ثمانية وليس للسائل والمحروم فقط سورة المعارج: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ذكر أنهم يجعلون في أموالهم حقًا للسائل والمحروم سورة المؤمنون: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) سورة المعارج: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) سورة المؤمنون: لم يذكر ذلك سورة المعارج: ﴿وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ﴾ ذلك أنه في سياق المعاناة من الهلع وعلاقته بالنجاة منه، فاقتضى ذلك ذكره وتخصيصه من بين الأمانات سورة المؤمنون: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ بالجمع، والصلوات أعم من الصلاة وأشمل والمحافظة على الصلوات أعلى من المحافظة على الصلاة لما فيها من التعدد والفرائض والسنن سورة المعارج: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ بإفراد الصلاة سورة المؤمنون: ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(11)﴾ فلما كانت الصفات في آيات سورة ﴿المؤمنون﴾ أكمل وأعلى كان جزاؤهم كذلك، فجعل لهم الفردوس ثم ذكر أنهم خالدون فيها، والفردوس أعلى الجنة وربوتها، وأفضلها، ومنه تتفجر أنهار الجنة، ثم ذكر أنهم فيها خالدون سورة المعارج: ﴿أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ﴾ ولم يذكر أنهم في الفردوس، ولم يذكر الخلود، فانظر كيف ناسب كل تعبير موطنه سورة المؤمنون: ﴿المؤمنون﴾ هم المصدقون بيوم الدين وزيادة. - والخشوع في الصلاة، وهو الدوام عليها وزيادة. - وفعلهم للزكاة وهي العبادة المالية وزيادة ومستحقوها هم السائل والمحروم وزيادة. - ذكر الإعراض عن اللغو وهو زيادة. - ذكر الصلوات وهي الصلاة وزيادة. - ثم ذكر الفردوس وهي الجنة وزيادة في الفضل والمرتبة. - ذكر الخلود فيها وهو والإكرام وزيادة. فانظر ما أجمل هذا التناسب والتناسق، فسبحان الله.

ﵟ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﵞ سورة المؤمنون - 11


Icon