الوقفات التدبرية

*قال تعالى فى سورة لقمان (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ...

*قال تعالى فى سورة لقمان ﴿وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ﴾ وفي البقرة قال (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً (48) البقرة) فما الفرق بين الوالد والولد والنفس؟ لا ننسى أنه في سورة لقمان ذكر الوالدين والوصية بهما ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ والسورة تحمل إسم لقمان ﴿والد﴾ وهي مأخوذة من موقف وموعظة لقمان لابنه وكيف أوصاه ووصية ربنا بالوالدين وهي داخل وصية لقمان لابنه، إذن هذه أنسب أولاً مع إسم السورة ومع ما ورد في السورة من الإحسان إلى الوالدين والبر بهما ومصاحبتهما في الدنيا معروفاً، في البقرة لم يذكر هذا. فإذن ذكر الوالد والولد في آية لقمان مناسب لما ورد في السورة من الإحسان إلى الوالدين والبر ومع أنه قال ﴿وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ ذكّر أن هذا خاص بالدنيا. في هذه الآية ﴿لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ﴾ هذا في الآخرة إذن المصاحبة بالمعروف والإحسان إليهما وما وصى به في السورة لا يمتد إلى الآخرة ﴿وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ﴾ إذن الإحسان مرتبط بالدنيا فقط، إذن لا يتوقع الأب أن ولده سيجزي عنه في الآخرة، عليه أن لا يتوقع ذلك وأن هذه المصاحبة ستنقطع في الدنيا وهي ليست في أمور الآخرة فإذن هذه مناسبة لقطع أطماع الوالدين المشركين أنه إذا كان ولدهما مؤمناً فلا ينفع عنهما ولا يدفع ولا يجزي عنهما شيئاً في الآخرة فإذن هي مناسبة لما ورد في السورة من ذكر الوالدين والأمر بالمصاحبة لهما ونحوه. *في قوله تعالى فى سورة لقمان﴿وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ﴾ هذه جملة صفة والقياس كما نعلم أنه في جملة الصفة لا يجزي فيه والد عن ولده كما قال (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (281) البقرة) (يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) النور) فما الفرق؟ جملة الصفة يكون فيها عائد يعود على الموصوف ضمير قد يكون مذكوراً وقد يكون مقدّراً وهنا مقدر يعني النحاة يقدرون لا يجزي فيه هذا من حيث التقدير، هو جائز الذكر وجائز التقدير لأنه ذكرها في مواطن أخرى ﴿وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ﴾ يبقى لماذا اختار عدم الذكر؟ الأمران جائزان وقد ذكرا في مواطن. عادة الحذف يفيد الإطلاق عموماً يعني فلان يسمعك أو فلان يسمع، يسمع أعم، يقول الحق أو يقول، يقول أعم، عدم ذكر المتعلقات يفيد الإطلاق، يعطي المال أو يعطي، يعطي أعمّ. إذن هو الآن أظهر التعبير بمظهر الإطلاق لم يذكر ﴿فيه﴾ معناه أظهره بمظهر الإطلاق. حق السؤال لماذا لم يذكر هنا وفي مواطن ذكر؟ لو جزى والد عن ولده لو دفع في يوم القيامة هل هذا الجزاء يختص بهذا اليوم أو بما بعده؟ بذلك اليوم، لو جزى والد عن ولده (بدون فيه) لو جزى عنه يعني لو قضى عنه ما عليه، هذا الجزاء سيكون الجنة، لو جزى لى يكون في ذلك اليوم انتهى وإنما الخلود وسيدخل الجنة، إذن الجزاء ليس في ذلك الوقت وإنما أثر الجزاء سيمتد، الجزاء سيكون في هذا اليوم ولكن الأثر هو باق ولذلك حيث قال لا يجزي لم يقل ﴿فيه﴾ في كل القرآن مثال: (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ (48) البقرة) ما قال ﴿فيه﴾، (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ (123) البقرة) بخلاف الآيات التي فيها ﴿فيه﴾ (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (281) البقرة) توفى في ذلك اليوم وإما يذهب للجنة وإما إلى النار. ﴿يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ في ذلك اليوم وبعدها ليس فيه تقلب لأنه يذهب للجنة، ذِكر ﴿فيه﴾ خصصها باليوم فقط لما قال ﴿ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ﴾ هذا في يوم القيامة وليس مستمراً يومياً، الذي في الجنة توفي والذي في النار توفي عمله، التوفي في يوم القيامة توفية الحساب في يوم هو يوم القيامة وأثر التوفية إما يذهب إلى الجنة وإما إلى النار، تقلّب القلوب والأبصار في يوم القيامة ثم يذهب الناس إلى الجنة ولا يعود هناك تقلب قلوب ولا أبصار، وأصحاب النار في النار. لو جزى والدٌ عن ولده لكان أثر الجزاء ليس خاصاً في ذلك اليوم وإنما تمتد إلى الخلود إلى الأبد ولذلك لم يذكر ﴿فيه﴾ وأخرجه مخرج الإطلاق. لذلك حيث قال لا تجزي لم يقل ﴿فيه﴾ لنفي المتعلق وما يترتب عليها فيما بعد. *ما اللمسة البيانية في تذكير كلمة شفاعة مرة وتأنيثها مرة أخرى في سورة البقرة؟ قال تعالى في سورة البقرة (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ {48}‏) وقال في نفس السورة (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ {123}).جاءت الآية الأولى بتذكير فعل ﴿يقبل﴾ مع الشفاعة بينما جاء الفعل ﴿تنفعها﴾ مؤنثاً مع كلمة الشفاعة نفسها. الحقيقة أن الفعل ﴿يقبل﴾ لم يُذكّر مع الشفاعة إلا في الآية 123 من سورة البقرة وهنا المقصود أنها جاءت لمن سيشفع بمعنى أنه لن يُقبل ممن سيشفع أو من ذي الشفاعة. أما في الآية الثانية فالمقصود الشفاعة نفسها لن تنفع وليس الكلام عن الشفيع. وقد وردت كلمة الشفاعة مع الفعل المؤنث في القرآن الكريم في آيات أخرى منها في سورة يس (أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ {23}) وسورة النجم (وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى {26}). وفي لغة العرب يجوز تذكير وتأنيث الفعل فإذا كان المعنى مؤنّث يستعمل الفعل مؤنثاً وإذا كان المعنى مذكّراً يُستعمل الفعل مذكّراً، والأمثلة في القرآن كثيرة منها قوله تعالى في سورة الأنعام (قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ {11}) وسورة يونس (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ {73}) المقصود بالعاقبة هنا محل العذاب فجاء الفعل مذكراً، أما في قوله تعالى في سورة الأنعام (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {135}) سوة القصص (وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {37}) فجاء الفعل مؤنثاً لأن المقصود هو الجنّة نفسها

ﵟ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﵞ سورة البقرة - 48


Icon