الوقفات التدبرية

آية (4) : * في سورة يس(وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ...

آية (4) : * في سورة يس﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ نلاحظ هنا أنه قدم النخيل على العنب مع أنه في مكان آخر مثل سورة عبس (فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30)) أيضاً عكس الترتيب وكذلك في سورة الرعد (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ (4)) فلماذا اختلف الترتيب عن الرعد وعبس ؟ (د.فاضل السامرائى) لو نظرنا في آية يس (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)) المقصود بالنخيل والأعناب هو الشجر الآن وليس الثمر هنا فيما ورد ، شجر النخيل وشجر الأعناب ليس الثمر لأنه قال ﴿لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ﴾. هو قال جنات، ما هي الجنات؟ شجر، قال ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ الجنات ماذا أشجار أم ثمر؟ فإذن هو الآن ذكر الشجر ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ ثم قال ﴿لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ﴾ ثمر من؟ النخيل والأعناب، إذن هو لم يذكر الفاكهة نفسها وإنما ذكر الأشجار، الجنات ثم قال ﴿لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ﴾. هنا قدّم النخيل على الأعناب في هذه الآية ﴿جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾، إذا كان شجر فلا شك فشجرة النخيل هي أهمّ من شجرة العنب، شجرة النخيل كلها فائدة، شجرة النخيل ليس فيها شيء يُرمى كل شيء يُصنع منه شيء ويستفاد منه السَعَف والليف والجذع، كله، شجرة العنب ماذا تفعل؟ لا شيء. فإذن أيّ الأفضل شجرة النخيل أو العنب؟ النخيل. هذا أمر. في سورة عبس قال (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)) طعام وليس جنات مدار الكلام في عبس على الطعام (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30)) هذا كله طعام. *والعنب أليس طعاماً؟ العنب فاكهة. لاحظ القرآن لم يذكر شجرة العنب مطلقاً، شجرته إسمها الكرمة لم يذكرها. ذكر العنب لأن الشجرة ليست فيها فائدة كبيرة فيذكرها بإسم الفاكهة. أما النخل لا يذكر الثمر وإنما يذكر الشجرة لأن الشجرة فيها فوائد كثيرة إضافة إلى الثمر. فإذن هو قال ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾ فذكر الحَبّ والعنب ثم بدأ بالأشجار (وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)) إذن الأهمية اختلفت والترتيب اختلف، هنا قال ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾ ذكر الأطعمة أولاً ثم ذكر الشجر بعده، ذكر طعام الحب والعنب والقضب والزيتون والآن يذكر شجر النخل و (وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)) إذن الأمر اختلف عما في سورة يس. حتى الترتيب في سورة عبس اختلف. ذكر الحَبّ هو أكثر شيء ثم ذكر العنب يأتي بعده ثم الزيتون أقل من العنب، العنب منتشر أكثر. ثم النخل أقل من العنب، التمر ليس بكثرة العنب ولا الزيتون له طبيعة خاصة في الجو. إذن هناك أمران الأمر الأول كونه بدأ بالطعام فقدّم الأطعمة والأمر الثاني فيما يتعلق بالكثرة قدّم ما هو كثير. إذن من ناحيتين صار التقديم في عبس من ناحية الكثرة ومن ناحية كونه طعام أو غير طعام. الآن نأتي للآية الأخرى في سورة الرعد وهي قوله (وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ (4)) الآن هو ذكر التجاور ﴿وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ﴾ بالتجاور إلى أقرب المتجاور، ذكر ﴿وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ﴾ ﴿وَزَرْعٌ﴾ الزرع متجاور أكثر من أشجار الفاكهة. *شجر العنب أليست زرعاً؟ يقصد هنا بالزرع الحشائش. أيّ الأقرب؟ شجرة الفاكهة ينبغي أن يكون بينها مسافة حتى تأتي بالثمر، أما الزرع فلا يحتاج إلى مثل هذا، الزرع متقارب جداً. *حضرتك تقارن بين الأعناب والنخيل الآن ففصل بينهما بالزرع؟ لا، نحن نتكلم في التجاور. أيّ المتجاور أكثر الزرع أو العنب؟ الزرع متجاور أكثر. الآن نأتي إلى النخل ﴿صنوان﴾ صنوان يعني فسائل تخرج من نبتة واحدة. *هل صنوان مفرد أم مثنى أم جمع؟ جمع. صنوان جمع صنو، صنو مفرد مثنى صنوان ويُجمع صنوان. مثنى وجمع لكن يختلف في الإعراب نقول صنوان وصنوين بالمثنى وفي الجمع نقول صنوانٌ صنواناً. المثنى يُرفَع بالألف وينصب ويجرّ بالياء صنوان صنوين، رأيت صنوين اثنين، رأيت صنواناً جماعة مثل قنوان. *صنوان وقنوان ايضاً مثنى وجمع؟ لكن يختلف بعلامات الإعراب. *وهنا صنوانٌ مثنى أم جمع؟ جمع ﴿صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ﴾ ما قال صنوين، هذا جمع. النخل صنوان هو الفسائل التي تخرج من أصل الشجرة. *أليس الصنو متشابه؟ هو في الأصل هكذا لكن النخل الصنوان هو الفسائل التي تخرج من شجرة واحدة. *نخل صنوان يعني هذا نوع من أنواع النخيل؟ الفسائل . *ما معنى صنو؟ معناها فسيلة النخل. فسيلة النخل من أين تخرج؟ من أصل الشجرة. شجرة النخل يأتي بها فسائل تخرج من أصل الشجرة، أيّ أقرب المذكورين للتجاور؟ النخيل، إذن هو رتبها هكذا. العنب أبعدها يحتاج إلى مسافات أطول، والزرع مسافة أقل والصنوان من شجرة واحدة أقرب. يعني هنا ما يتعلق بالتجاور، هناك ما يتعلق بالأطعمة والكثرة. *حتى بالتجاور عكس الترتيب كان التصور الأولى مثلاً أن يرتِّب من الأقرب إلى الأبعد أو من الأبعد إلى الأقرب هذا وارد لغةً؟ هو قال ﴿قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ﴾ لما قال قطع يعني حدائق، عندما بدأ بالقطع أتى بالقطع ثم انتهى إلى *وبالمتجاورات بدأ بالمتجاور؟ عندما بدأ بالقطع. *إذن هل كان ينعكس الترتيب، إذا عُكس الترتيب خارج القرآن هل تتغير الدلالة وفحوى السياق؟ فرق بين فحوى السياق وبين أهمية البلاغة التقديم والتأخير الذي يراعي كل مسألة في حينها وبين مجرد إفهام معنى بدون أمر بلاغي. عندما تبحث في أمور البيان والبلاغة تنظر إلى هذا مطابقة الكلام لمقتضى الحال، أما إذا مجرد معاني كلمات ورصف هكذا.

ﵟ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﵞ سورة الرعد - 4


Icon