الوقفات التدبرية

* يقول الحق في سورة الرعد الآية الأخيرة (وَيَقُولُ الَّذِينَ...

* يقول الحق في سورة الرعد الآية الأخيرة (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)) من الذي عنده علم الكتاب؟(د.فاضل السامرائى) من أسلم من أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام، أبي بن كعب هؤلاء عندهم علم الكتاب. *﴿من﴾ مفرد أم مثنى أم جمع؟ عامة، من أسلم. *جاء في القرآن كله تقديم كلمة شهيد على بيني وبينكم كما جاء في سورة الأنعام ﴿قل الله شهيد بيني وبينكم﴾ وسورة يونس آية 29 والرعد آية 43 والإسراء آية 96 والأحقاف آية 8 أما في سورة العنكبوت فقد جاءت كلمة شهيد متأخرة عن بيني وبينكم في الآية 52 ﴿كفى بالله بيني وبينكم شهيداً﴾ فما سبب الإختلاف؟(د.حسام النعيمى) مسألة التقديم والتأخير في القرآن الكريم تستدعي النظر في عموم التقديم والتأخير في اللغة بمعنى أن لغة العرب لماذا تقدم ولماذا تؤخر؟ الأصل عندنا نظام للجملة العربية بشقّين: الفعل مع مرفوعه سوءا كان فاعلاً أو نائب فاعل ثم تأتي المتممات من مفعول به، حال، مفعول مطلق إلى آخره . والشق الثاني : المبتدأ والخبر ثم يأتي بعده المتممات. أحياناً بعض المتممات تتقدم على الخبر. الأصل مبتدأ وخبر أو فعل ومفعول في بعض الأحيان تكون هذه المتممات بينية تدخل بين المبتدأ والخبر (أركان الجملة الرئيسية) وفي بعض الأحيان حتى المتممات هناك نظام لها فالمفعول به يتقدم على غيره . لكن نجد أنه بشكل عام التقدم يكون للإهتمام في الغالب إلا في بعض الأحيان. يكون التقديم لإقامة الجملة. مثلاً حينما يكون المبتدأ نكرة ولا مسوّغ للإبتداء به إلا تقدم الخبر وهو ظرف أو جار ومجرور . فأحياناً يكون التقديم والتأخير واجباً وله مواطن وقوانين وأحياناً المتقدم هو المعني به وأحياناً يأتي بحيث تؤخر ما أنت مهتم به، لكلٍ قانونه ولكلٍ نظامه. لما نأتي لنظام الفعل والفاعل : أكرم زيدٌ خالداً (زيد أعطى وخالد أخذ)، أكرم خالداً زيدٌ، لم يتغير المعنى الأساسي أيضاً زيد أعطى وخالد أخذ لكنك إعتنيت بالكرم وخالد أكثر من إعتنائك بزيد. فإذا قلت: خالداً أكرم زيدٌ، تكون عنايتك بخالد أكثر من الكرم وأكثر من زيد. العربية لأنها لغة معربة فيها هذه المرونة وهذه السعة. نأتي إلى الآية (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) العنكبوت) في غير القرآن يمكن القول: كفى بالله شهيداً بيني وبينكم. بل حتى في القرآن في آيات أخرى في خمس آيات وردت بهذه الصيغة ﴿كفى بالله شهيداً بيني وبينكم﴾ تأتي شهيداً بعد إسم الجلالة فلماذا ؟ جاء في الآية (51)) الخطاب للرسول  ﴿أنزلنا عليك﴾ و ﴿عليهم﴾ إذن (عليك، عليهم) فناسب أن يقدّم ﴿بيني وبينكم﴾ لأن الخطاب للرسول : قل كفى بالله بيني وبينكم شهيداً) وإلا كان يمكن أن يقول (كفى بالله بينك وبينهم شهيداً) هذا شيء. الأهم من هذا أنه عندنا كلمة ﴿يعلم﴾ هذه جملة فعلية هي وصف لكلمة ﴿شهيداً﴾ ﴿شهيداً يعلم﴾ يعني شهيداً عالماً فلما كان يعلم وصفاً لشهيدا فلو قدم شهيداً وجعله (وكفى بالله شهيداً بيني وبينكم يعلم) يكون هناك فاصلاً بين الصفة والموصوف يطول الكلام ويضعف. حينما تفصل الصفة وموصوفها يضعف الكلام من حيث التركيب سيتبعد الوصف عن صفته ويكون ﴿بيني وبينكم﴾ فاصلاً. فتفادياً لهذا الضعف - ولغة القرآن اللغة الأعلى والأسمى والأرقى- فتفادياً لهذا الضعف وإتّكاء على ذكر المخاطب والغائبين (عليك، عليهم) نوع من التنسيق، والأصل أن يتفادى الفصل بين الصفة والموصوف بكلام ﴿بيني وبينكم﴾ تطيل الفاصل والأصل في اللغة العليا أن لا يُفصل بين النعت ومنعوته. وهو قد يجوز أن تفصل لكن ليس هو الأفضل في اللغة العليا. لذلك جاء ﴿كفى بالله بيني وبينكم شهيداً يعلم﴾ لأن ﴿يعلم﴾ نعت لـ﴿شهيداً﴾ فلا بد أن تتصل بها. الآيات الأخرى جاءت على الأصل يعني أن العامل تقدم على المعمول لأن ﴿بيني وبينكم﴾ معمولان لـ ﴿شهيداً﴾ تقدم على العامل. لكن لما يتقدم ﴿شهيد﴾ يأتي المعمول بعدها. الطبيعي أن يأتي العامل ثم يأتي المعمول ﴿كفى بالله شهيداً بيني وبينكم﴾ فما جاء على الأصل لا يُسأل عنه. كما تقول: كتب زيد رسالة، لا نقول لماذا تقدم الفاعل ؟ هذه رتبته هكذا يأتي قبله. إذا جاء الشيء على الأصل لا يُسأل عنه عندما يكون العامل مقدّماً على معموله فهذا هو الأصل. بيني وبينكم معمولان متعلقان بـ ﴿شهيداً﴾ لما يأتي ﴿بيني وبينكم﴾ بعد ﴿شهيداً﴾ لا يُسأل عنه لأن هذا الأصل. مع ذلك لو نظرنا في الآيات التي قد تأخر فيها الظرف نجد أن هناك أسباباً دعت إلى تأخيره ولا يمكن أن يتقدم ومن هذه الآيات قوله تعالى:(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43) الرعد) الكلام على الرسالة.

ﵟ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﵞ سورة الرعد - 43


Icon