الوقفات التدبرية

آية (5) : * يقول تعالى في سورة النحل (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ...

آية (5) : * يقول تعالى في سورة النحل (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5)) لم أسند الخلق لضمير الغائب قال خلقها وفي آية سورة يس أسند الفعل لضمير المتكلم ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ﴾مع أن الخالق في الحالين الله سبحانه وتعالى ؟ لو لاحظنا أن كل تعبير مناسب لما ورد فيه في أكثر من وجه، أولاً السياق في الموضعين، السياق في النحل مبني على الإسناد إلى ضمير الغيب في عموم السورة وفي عموم هذا السياق بالذات. قال (يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ (2)) ينزل لم يقل ننزل، (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ (3))، (خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ (4))، (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا (5)) (وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8)) (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء (10))، (يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ (11))، (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ (12))، (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ (14))، (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ (15))، عموم التعبيرات في السياق في ضمير الغيبة. في يس السياق في ضمير المتكلم (إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً (8))، (وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا (9))، (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12))، (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ (14))، (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ (28))، (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ (31))، (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33))، (وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34))، (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ (39))، (وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ (42))، (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ (65))، (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ (71))، (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ (72))، فإذن كل تعبير من حيث السمة التعبيرية هو أنسب لسياقه. ولكن لِمَ يأتي مرة بالمتكلم ومرة بالغائب؟ أحياناً يخبرنا عنه فلا بد أن يُخبر بضمير الغيب، يُخبرنا عنه، هو ربكم يُخبرنا عنه. عندما يريد أن يعلِّمنا من هو الله. السياق في يس أكثر تفضلاً وإنعاماً. لو أخذنا بين الآيتين ﴿وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ﴾ و ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ﴾ قلنا أن الإسناد إلى ضمير المتكلم فيه تفضّل. لو لاحظنا الموضعين سنلاحظ أنه في سياق آية يس ذكر أموراً أكثر تفضلاً على الإنسان أكثر مما في النحل. لو نقرأ ما في الموضعين يتبين ما أقول. قال في يس (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)). قال في النحل (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (7)). لو ننظر إلى مواطن التكريم في كل موضع: 1. قال في يس ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ﴾ وقال في النحل ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا﴾ لم يقل لهم، أيُّ دالة على التكريم خلقنا لهم أو خلقها؟ في يس قال ﴿لهم﴾ في النحل قال ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا﴾ ﴿لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾. إذن التكريم الأول ﴿لهم﴾. 2. التكريم الثاني قوله ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ للدلالة على الاهتمام والتكريم أن هذا من عمل يده سبحانه وتعالى، ما قال هذا في النحل. قال ﴿فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ ذكر التمليك لم يملّكهم في النحل. 3. قال ﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾ ولم يقل في النحل هذا. 4. قال في يس ﴿فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ﴾ وفي النحل قال ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ﴾. 5. ذكر في يس أن لهم فيها مشارب ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ﴾ ولم يقل هذا في النحل. 6. في يس والنحل قال (وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ) ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾. 7. في يس والنحل قال فيها منافع وفي النحل ذكر ﴿لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ﴾ وهي في المنافع، ودخل فيها جمال وهذا أمر آخر. 8. في يس قال الخلق لهم، تمليكها لهم، ذللها لهم، ركوب ومشارب لم يقلها في النحل إنما قال الدفء وحمل الأثقال والجمال. أيّ الموطنين فيه تكريم أكثر؟ يس. إذن هذا الأنسب للسياق العام.

ﵟ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا ۗ لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﵞ سورة النحل - 5


Icon