الوقفات التدبرية

آية (28): * ما اللمسة البيانية في استعمال توفّاهم وتتوفّاهم في القرآن...

آية (28): * ما اللمسة البيانية في استعمال توفّاهم وتتوفّاهم في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى) نلاحظ في القرآن كله وليس فقط في هذه الآية الحذف كما جاء في القرآن مثل (تنزّل وتتنزّل، تبدّل وتتبدّل) وهذا الحذف في عموم القرآن وحيث ورد مثل هذا التعبير في القرآن سواء في الفعل أو غيره يكون لأحد أمرين: للدلالة على أن الحدث أقلّ. أو أن يكون في مقام الإيجاز. قال تعالى في سورة النحل ((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28))) وقال في سورة النساء (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)). وهؤلاء المستضعفين في آية سورة النساء هم قسم من الظالمين وليس كلهم فهم أقل أما الآية الثانية ﴿ظالمي أنفسهم﴾ فالذين ظلموا أنفسهم أكثر من المستضعفين لأنهم عموم الظالمين. فلمّا خصّ بقسم من الظالمين ﴿المستضعفين﴾ قال تعالى توفّاهم ولما كثُر العدد قال تتوفاهم. وهذا الحذف هو جائز من حيث اللغة للتخفيف. *هل يُضمر القول في القرآن الكريم؟(د.فاضل السامرائى) أحوال القول والمقول يمكن أن نجمل أهم أحكامها في عبارات صغيرة. الكثير أن يذكر القول والمقول هو الأصل (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة) القول هو الفعل و﴿سمعنا وأطعنا﴾ هو المقول. يمكن أن يحذف فعل القول ويذكر المقول لا يقول قال أو يقول لكنه مفهوم وهذا كثير أيضاً مثال (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون (127) التوبة) ما قال يقولون هل يراكم من أحد لم يذكر القول وإنما ذكر المقول. أحياناً يذكر فعل القول لكن يحذف المقول ولكنه ظاهر في السياق عكس الحالة السابقة مثل (قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) يونس) ما هو القول؟ هم لم يقولوا أسحر هذا ولا يفلح الساحرون وإنما هم قالوا هذا سحر، قول ﴿أسحر هذا﴾ هذا قول موسى وأضمر مقولهم هم وهو مفهوم من السياق. وهنالك حالة أخرى أن يذكر مقولان لقائلين مختلفين ويحذف فعل القول منهما الإثنين ويتصلان كأنهما مقولان لقول واحد لكن المعنى واضح يجري عليه السياق مثل (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) النحل) هم قالوا ﴿ما كنا نعمل من سوء﴾ والرد (بلى إن الله عليم بما كنتم تعلمون) هذا ليس قائلاً واحداً وإنما هذا قائل آخر وحذف فعل القول لم يقل قالوا ما كنا نعمل من سوء ولم يقل قال بلى مفهوم من السياق فحذف فعل القول من الاثنين وأدمج المقولين لكنه مفهوم من السياق. وهنالك حالة أخرى أن يذكر فعل القول ومقوله ويدرج معه قول لقائل آخر فيبدو كأنهما مقولان لشخص واحد لكن في الحقيقة لا، مثل (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) يوسف)، ويوسف قال (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)) هذا كلام يوسف.هنالك حالة أخرى أن يذكر فعل القول لكن لا يذكر المقول وإنما يذكر فحواه (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ (31) إبراهيم) قل هذا فعل القول والمقول لم يذكره وإنما ذكر الفحوى يقيموا الصلاة هذا فحوى قوله تعالى وليس هو القول لم يقل أقيموا الصلاة، (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53) الإسراء) هذا ليس هو نص القول وإنما فحواه. فهذه أبرز أحوال القول في القرآن الكريم. ولكل حالة من هذه الحالات دلالتها وسياقها الذي تروى فيه. *ما الفرق بين سلام والسلام ؟(د.فاضل السامرائى) السلام معرفة والمعرفة هو ما دلّ على أمر معين، وسلام لك والأصل في النكرة العموم إذن كلمة سلام عامة وكلمة السلام أمر معين. لما نقول رجل يعني أيّ رجل ولما نقول الرجل أقصد رجلاً معيناً أو تعريف الجنس. الأصل في النكرة العموم والشمول. إذن ﴿سلام﴾ أعم لأنها نكرة وربنا سبحانه وتعالى لم يحييّ إلا بالتنكير في القرآن كله مثل ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ ﴿سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ﴾ ﴿سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ ﴿سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ حتى في الجنة ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾ حتى الملائكة ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ ﴿سلام عليكم ادخلوا الجنة﴾ ربنا تعالى لم يحييّ هو إلا بالتنكير لأنه أعم وأشمل كل السلام لا يترك منه شيئاً. (سلام عليه) هذه تحية ربنا على يحيى والآية الأخرى عيسى  سلم على نفسه وليس من عند الله سبحانه وتعالى، سلام نكرة من قبل الله تعالى والسلام من عيسى  وليس من الله تعالى والتعريف هنا ﴿السلام﴾ أفاد التخصيص. ويقوون تعريض بالذين يدعون أن مريم كذا وكذا فقال ﴿والسلام علي﴾ رد على متهمي مريم عليها السلام.

ﵟ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ۖ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ ۚ بَلَىٰ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﵞ سورة النحل - 28


Icon