الوقفات التدبرية

آية (30) : * ما الفرق بين قوله تعالى (وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ (30)...

آية (30) : * ما الفرق بين قوله تعالى (وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ (30) النحل) و (وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ (169) الأعراف) ؟ ﴿والدار الآخرة خير﴾ صفة وموصوف، الدار مبتدأ والآخرة صفة، خيرٌ خبر. عندنا ﴿ولدار الآخرة خير﴾ يعني إضافة الموصوف إلى الصفة، فرق بين هذه الدار الآخرة وأن نقول هذه دار الآخرة وأصحاب اللغة يعرفون الفرق بين ذلك. رب العالمين مرة يقول (وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ (169) الأعراف) ومرة يقول (وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ (30) النحل). لو تتبعنا القرآن الكريم مثلاً في يوسف (وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (109) يوسف) في الأنعام (وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (32) الأنعام) عندنا اتقوا وعندنا يتقون، عندنا ولدار وعندنا وللدار وعندنا دار الآخرةِ والدار الآخرةُ ما الفرق بين ذلك؟ الدارُ الآخرةُ، الآخرة هي يوم القيامة بما فيها الجنة والنار، الجنة والنار كلها من يوم القيامة ﴿الدار الآخرة﴾ هي الكوكب الذي سوف نعيش فيه بعد تدمير هذا الكوكب الذي نحن فيه (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ (48) إبراهيم) هذه ﴿الدار الآخرة﴾ عندما تأتي صفة موصوف يعني يوم القيامة والكلام عن جميع أهلها من أهل النار وأهل الجنة ﴿فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ ﴿وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾. لكن ﴿ولدار الآخرةِ﴾ أنت عندك دار الدنيا هنا، أنت لك دارتك (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا (80) النحل) أنت سعيد في البيت وأهلك وزوجتك وربما هذه الدار موروثة عن أبيك وجدّك وفيها ذكريات عائلتك كلها يعني أُنسك "جنة المؤمن داره" وهذه حقيقة نلمسها جميعاً. فرق بين من يسكن بالإيجار حتى لو كان قصراً منيفاً وبين من يملك سقفاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "بحسب ابن آدم لقمة تسد جوعته وخِرقة تستر عورته فإن كان له سقف يظله فبخٍ بخٍ" السقف هذا مجد، سكن، هذا بيتي حتى لو كان كوخاً، هذا بيتي ولهذا حرمة البيوت كما تعرفون حرمة عجيبة. وكلمة الدار تعني الوطن الذي لك فيه سكن (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ (9) الحشر) أهل المدينة كلهم أصلاء كلٌ له بيته في المدينة وبستانه، هذه دارهم. إذن لما نقول ﴿ولدار الآخرةِ﴾ يلفت نظرك رب العالمين إلى كم هذه الدار التي أنت معجب بها في الدنيا وورثتها عن أبيك أو اشتريتها أو بنيتها وفيها ذكريات أهلك وكثير من الشعراء يتغنى بداره وببيت أبيه وأجداده. حينئذ ﴿ولدار الآخرةِ﴾ بيتك أنت الخاص، قصرك الذي ستسكن فيه يوم القيامة بقدر الكرة الأرضية عشر مرات، أعجوبة، قوانين طبعاً لا نعرفها وتراها كلها أمامك كما ترى شقتك الصغيرة وترى كل غرفها أمامك سوف ترى دارك التي بقدر الأرض عشر مرات، آخر واحد يخرج من النار الذي خطر في باله في يوم من الأيام أن الله واحد كما هو في حديث البطاقة المشهور، هذا مرة واحدة في حياته قال لا إله إلا الله، يُخرج من النار آخراً، هذا له بقدر الدنيا عشر مرات فما بالك بأصحاب التقوى والصلاح والمهاجرين والأنصار والأنبياء والرسل؟! إذن مهما كنت ما دمت تقول أن الله واحد فلدار الآخرة التي سوف تمتلكها وفيها أولادك وزوجاتك وناسك، وفيها شيء آخر. سنتكلم بعد قليل عن عاقبة الدار وعقبة الدار. إذن باختصار ﴿والدار الآخرة﴾ يوم القيامة كلها كل الكواكب التي سنعيش عليها بعد أن نُبعث من الموت وتفنى الكرة الأرضية بالكامل تدمير كامل (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ (48) إبراهيم) هناك هذه دار الجميع أهل الجنة وأهل النار كل هؤلاء في الدار الآخرة لكن لما نقول ﴿ولدار الآخرة﴾ نضيف الموصوف في الوصف تكون هذه دارتك أنت.

ﵟ ۞ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ۚ قَالُوا خَيْرًا ۗ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۚ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ﵞ سورة النحل - 30


Icon