الوقفات التدبرية

.* في الحديث عن الثقلين الإنس والجن مرة يقدّم الجنّ (وَمَا خَلَقْتُ...

.* في الحديث عن الثقلين الإنس والجن مرة يقدّم الجنّ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) ومرة (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) الرحمن) ومرة يقدِّم الإنس (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) فما دلالة التقديم والتأخير؟ وهل هو تقديم وتأخير زمني؟ (د. محمد صافي المستغانمي) يُنظَر في التقديم والتأخير من وجوه متعددة. الآية الأولى تتحدث عن الخلق والله تعالى يقول في القرآن (وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ (27) الحجر) الأسبقية للذي خُلِق قبل، فلما كان السياق يتحدث عن الترتيب الزمني للخلق قال (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) الجن خلقه الله قبل الإنس بدليل آية سورة الحجر (وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ (27)). بينما آية سورة الرحمن ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ هنا التقديم يراعى فيه تقديم الجن لا لترتيب الخلق وإنما مراعاة لطبيعة الجن فالجن خُلِق من نار وهو أقدر على النفوذ- جنّ وجانّ والجانّ هو أصل الجِنّ والجنّ ما سمي جناً إلا لاستتاره والجنين في بطن أمه المستتر- ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ من الأقدر على خرق السموات والأرض وعلى العروج؟ الجنّ، إذن يقدمون، الحديث موجّه إلى الطائفتين لكن موجّه إلى الجنّ بالدرجة الأولى ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ فالعملية لها صلة بالجنّ أكثر ويخترقون السموات لا بقدرتهم الذاتية ولكن الله مكّنهم وأقدرهم على ذلك. أما الآية الثالثة في سورة الإسراء (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) هذا تحدي بالقرآن الكريم، لو نأتي للناحية البيانية والإفصاح والبيان والتبيين الإنس أقدر على البيان من الجن قال تعالى (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الرحمن) في البيان الإنس أولى لأن الإنس أقدر على الإبانة والتبيين وهو الأفصح (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) الزخرف)، الإنسان مُبين رزقه الله هذه الفصاحة وهو مميز بها وله قدرة على الحوار وعلى النقاش وعلى الإبانة أما الجن فليس كذلك. الشعراء من الإنس والأدباء من الإنس. ينسبون كل بديع لوادي عبقر، وهذا الوادي يقال كان فيه جنّ كثيرون ومن أتى بشيء بديع من الشعر والفنّ يقولون جنيّ من عبقر كان يوحي له زخرف القول غروراً. إذن معول الكلام في التقديم والتأخير يعود على السياق.

ﵟ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﵞ سورة الإسراء - 88


Icon