الوقفات التدبرية

آية (105): * (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ...

آية (105): * (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ (136) النساء) وفي الإسراء (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)) ما الفرق بين أنزل ونزّل؟ وبين أنزل ونزل؟ (د. فاضل السامرائي) هذان سؤالان مختلفان. يقولون أنه نزّل - كثير من أهل اللغة - يقول أن نزّل تفيد التدرج والتكثير وأنزل عامة. ولذلك في آية النساء ﴿وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ﴾ لأن الكتاب نزل منجماً. ﴿وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ﴾ نزل جملة واحدة. قسم يذهب إلى هذا ومنه آية (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (3) آل عمران) نزّل الكتاب عليك يقولون لأن الكتاب نزل منجماً والتوراة نزلت دفعة واحدة. لكن قسم رد على هذا القول عموماً وقالوا نزّل ليسن بالضرورة تعني التدرج بدليل قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً (32) الفرقان) ليس في الآية تدرج وإنما قال جملة واحدة. * ألا تعتبر للتقييد؟ قسم يقول ليس بالضرورة لكن نعرف أن فعّل قد تكون للمبالغة والاهتمام مثل وصّى وأوصى، القرآن يستعمل ﴿وصّى﴾ في أمور الدين، كرّم وأكرم. ولذلك نلاحظ مرة ربنا يقول (مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ (71) الأعراف) ومرة (مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ (40) يوسف) ولو لاحظنا ونظرنا في السياق نجد أن ما ذكر فيه نزّل أشد. على سبيل المثال في الأعراف (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (71) فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ (72)) لاحظ المجادلة والمحاورة بينهم. في يوسف قال (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)) ليس فيها حوار ولا اعترضوا عليه ولا شي، فرق كبير بين الموقفين. حتى في سورة النجم قال تعالى (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)) لم يردّوا عليه. إنما في آية الأعراف الرد والمجادلة والمحاورة قال نزّل وفيما هو أقل من ذلك قال أنزل. إذن قد تكون نزّل للتدرج في مواطن وقد تكون للاهتمام في مواطن أخرى. * وفي قوله تعالى (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ (105) الإسراء)؟ الحق الأول غير الحق الثاني. الكلام عن القرآن. الحق الأول هي الحكمة الإلهية المقتضية للإنزال يعني هذا الوقت هو الوقت المناسب للإنزال، الحكمة تقتضي أن ينزل في هذا الوقت. أما (بالحق نزل) يعني ما اشتمل عليه من العقائد والأحكام. الحق الأول هو الحكمة التي تقتضي الإنزال وهنا ما فيه ﴿وبالحق نزل﴾ هل اشتمل على الحق. أحياناً عندنا الآن وضع من الأوضاع يحتاج إلى إصلاح والناس كلها تقول يحتاج إلى إصلاح إذن الوقت مناسب للإصلاح لكن من يتقدم للإصلاح؟ هل بالضرورة أن كل من يتقدم للإصلاح يكون هو صحيحاً ما جاء به؟ لا ليس بالضرورة. ذاك حق الوقت لكن هذا الحق فيما يأتي به، في الأحكام التي تأتي. القرآن ذكر أمرين (بالحق أنزلناه) بالوقت المناسب، الحكمة التي اقتضت إنزاله في هذا الوقت. ثم ﴿وبالحق نزل﴾ ما جاء فيه هو أيضاً حق، نزل بالحق. كنت أضرب دائماً مثلاً لو أحد سب آخر من حقه أن يشتكي عليه إذن حاجته إلى المحكمة كانت حقاً، لو الحاكم حكم عليه بالإعدام ليس بالحق. إذن بالحق يذهب إلى المحكمة لكن ليس بالحق الحكم، هناك فرق بينهما. * إذن هنا ﴿وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ﴾ الحق الإلهي في التوقيت وفي الكيفية وفي الأداء؟ وبما فيه من الشرائع والأحكام. * لكن المعنى في الفعل أيضاً أنزلناه ونزل، ليست تعني أنزلناه من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا؟ مهما كان لكن المهم الوقت كان مناسباً. *في صيغة أنزلناه ونزل، هو في الحالين الله أنزله، في الحالين نزل لكن لم لم يقل بالحق أنزلناه وبالحق أنزلناه أو وبالحق نزل؟ لن يتفرق المعنيين. * وكأنه نوع من أنواع لفت الانتباه إلى اختلاف المعنى. أحد الآراء كان يقول في نزّل وأنزل أن أنزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ونزل من السماء الدنيا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، بغض النظر عن الناحية الشرعية لكن الناحية اللغوية لا تفيد كثيراً لكن كما ذكرت نزّل تفيد التدرج والاهتمام وأنزل تفيد جملة واحدة ودرجة اقل من نزّل؟ هي عموماً هكذا لو أردنا أن نبحث في فعّل وأفعل تحتاج منا إلى حلقتين لكن يختلف الأمر كثيراً. *قوله تعالى في سورة الإسراء (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ (105) الإسراء) هل هذا مجرد توكيد أم فيها أكثر من توكيد؟ (د.فاضل السامرائى) الحق الأول غير الحق الثاني وليس تكراراً لكلمة الحق. ﴿وبالحق أنزلناه﴾ أي أنزلناه بالحكمة الإلهية في الوقت الذي اقتضى التنزيل. ربنا سبحانه وتعالى علِم الوقت الذي اقتضى التنزيل. (بالحق نزل) أي ما فيه من الأحكام هو حق. مثل: مجتمع فيه فساد قامت فيه دعوات للإصلاح قيام هذه الدعوات هذا حق من حيث المبدأ لأن المجتمع يحتاجها لكن هل ما جاء في هذه الدعوات حق؟ هل هذا المنهج حق؟ هناك فرق بين الحق الأول والحق الثاني لكن الوقت يقتضي الإصلاح، هل ما جئت به هو الحق الذي سيصلح فعلاً؟. الحق الأول ﴿وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ﴾ الحكمة تقتضي الإصلاح لأن المجتمعات تقتضي الإصلاح ﴿وبالحق نزل﴾ ما فيه من الأحكام هو حق. إذن هو الوقت والحكم حق. مثال آخر: لو اعتدى شخص على شخص وأحيل إلى المحكمة هذه الحالة حق، فحَكَمه القاضي بالاعدام هذا ليس حقاً. إذن الإحالة حق أما الحكم فليس حقاً فالحق الأول غير الحق الثاني. هنا الحق في الإنزال وما فيه من الأحكام ﴿وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ﴾ إذن الحق غير مكرر. الفرق بين أنزلناه ونزل: أنزلناه نحن أنزلناه ونزل عندما أنزله نزل. ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر﴾ أُنزِل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا.

ﵟ وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ۗ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﵞ سورة الإسراء - 105


Icon