الوقفات التدبرية

آية (61): * ما دلالة اختيار إسم الله تبارك وتعالى الرحمن في هذه الآية...

آية (61): * ما دلالة اختيار إسم الله تبارك وتعالى الرحمن في هذه الآية (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) مريم) مع أنه في سياقات أخرى أسند الوعد لله سبحانه وتعالى؟ (د. فاضل السامرائي) الملاحظ في القرآن الكريم أن إسم الرحمن كثيراً ما يذكر في مشاهد الآخرة (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) مريم) (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) طه) (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) النبأ) (ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) مريم) (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) مريم) (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) مريم) (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ (26) الفرقان). في مواطن أخرى أسند الوعد إلى الله. أود أن أذكر ظاهرة في البداية، كل سورة أُسند فيها الفعل الماضي ﴿وعد﴾ إلى لفظ الجلالة الله ﴿وعد الله﴾ لم يرد فيها إسم الرحمن وإن كانت طويلة كسورة النساء والمائدة والتوبة وغيرها، إذا قال ﴿وعد الله﴾ ليس في السورة إسم الرحمن. وكل سورة أُسند فيها وعد إلى الرحمن تكرر فيها إسم الرحمن كما في سورة مريم وسورة يس. في سورة مريم ورد إسم الرحمن 11 مرة وفي سورة يس 4 مرات بينما في سورة النساء ليس فيها إسم الرحمن وكذلك المائدة والتوبة ليس فيها إسم الرحمن. يبقى السؤال الذي طرحته ما الفرق أو متى يقول وعد الله ووعد الرحمن؟ أو متى يستعمل وعد الله ومتى يستعمل وعد الرحمن؟ إذا أُسند الوعد إلى الله أو أُسند إلى الرحمن؟ إسناد الوعد إلى الله هذا مخصص بالمؤمنين أو بالكافرين إما يقول (وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ (72) التوبة) (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (29) الفتح) (وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ (68) التوبة) مخصص، هذا إذا أسند الوعد إلى الله يكون الوعد مخصصاً بالمؤمنين والكافرين وإذا أسنده إلى الرحمن وعد عام يشمل عموم العباد تحقيقاً للرحمة الواسعة مع أنه قد يقصد بهم المؤمنين يجعلها عامة مثال (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ (61) مريم) عموم وشمول ليس فيها تجديد فئة معينة مع العلم أن المقصود بها من آمن وتاب وعمل صالحاً لكن ما قالها. ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾ لم يخصص جعلها عامة حتى لو كان المقصود غير ذلك أما كلمة ﴿الله﴾ مخصصة. عندما يقول ﴿وعد الله﴾ يخصص. ﴿وعد الله﴾ وردت في 12 موضع في القرآن الكريم كلها مخصصة أما ﴿وعد الرحمن﴾ فهي عامة تحقيقاً لإسمه الرحمن الواسع التي وسعت رحمته كل شيء. *ما دلالة استعمال صيغة مأتيا في قوله تعالى في سورة مريم ﴿إنه كان وعده مأتيّا﴾؟(د.فاضل السامرائى) قال تعالى في سورة مريم (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً {61}). يُقصد بالوعد جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بها والجنّات تؤُتى ولا تأتي فالجنات يذهبون إليها فهي مأتية وليست آتية فالوعد هو الجنة والآية في السورة في سياق الجنة. * ورتل القرآن ترتيلاً : (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ (61)) إن الجنة هي جزاء المؤمنين وهذا ما وعدنا به الله جزاءً لطاعتنا، فلِمَ وصف الجنة بقوله ﴿الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ﴾ وهذا معلوم لنا؟ وصف الجنة بقوله ﴿الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ﴾ لزيادة تشريفها وتحسينها. وأنت تفتخر بما وعدك به من هو فوقك لأنه وعدٌ ممن تحترمه وتجلّه، فكيف إذا كان الوعد من الله العليّ الكبير؟. فلا يخفى ما في هذا الوصف من التكريم والتشريف للموعودين. (إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61)) المأتيّ هو الذي يأتيه الآخرون فكيف يأتي الناس إلى الوعد؟ استعير الإتيان لحصول المطلوب المترقَب فالإنسان يحصل على الشيء بعد أم يسعى لتحصيله. وكذلك وعد الله فهو أشبه بمكان يقصده الطائعون. وسوف يبلغونه ويحصلون على ما وُعِدوا به.

ﵟ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ﵞ سورة مريم - 61


Icon