الوقفات التدبرية

آية (51-56): *ما الفرق بين قصة ضيف إبراهيم في سورتي الذاريات...

آية ﴿51-56﴾: *ما الفرق بين قصة ضيف إبراهيم في سورتي الذاريات والحجر؟(د.فاضل السامرائى) قال تعالى في سورة الذاريات (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ {24} إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ {25} فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ {26} فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ {27} فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ {28} فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ {29} قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ {30}‏) وقال تعالى في سورة الحجر (وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِ بْراَهِيمَ {51}‏ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ {52} قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ {53} قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ {54} قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ {55} قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ {56}). في سورة الذاريات جاء وصف ضيف ابراهيم  بالمكرمين وهذا له معنى في سياق الآيات في السورة وعدم ذكر صفة الضيف في آية الحجر يُبنى عليه المعنى. وإذا استعرضنا سياق الآيات في السورتين يتبيّن لنا لماذ ودت الصفة في سورة ولم ترد في الأخرى: سورة الذاريات سورة الحجر سلام ورد التحية وردّ التحية من الإكرام ﴿فَقَالُوا سَلَاماً قَالَ سَلَامٌ﴾ لم يذكر ردّ التحية ولم يرد الإكرام هنا ﴿فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ﴾ ثم إن ضيف إبراهيم قالوا ﴿سلاماً﴾ أي حيّوه بجملة فعلية وهو حيّاهم بجملة إسمية والجملة الإسمية أقوى لغوياً وأثبت للمعنى وأبلغ إذن فسيدنا ابراهيم ردّ التحية بخير منها وهذا من مظاهر الإكرام أيضاً. لم يرد في سورة الحجر أي مظهر من مظاهر الإكرام كما ورد في سورة الذاريات إن من حيث عدم ردّ التحية أو تحضير الطعام أو دعوتهم إليه وغيرها. قال ﴿قوم منكرون﴾ ولم يقل إنكم قوم منكرون لكن عندما رآهم قال قوم غرباء بشكل عام ولم يوجّه الخطاب لهم مباشرة وهذا من باب التكريم، وهذا يختلف عما جاء في قصة لوط عندما قال ﴿إنكم قوم منكرون﴾ لمّا جاءه الرسل لأنه كان في حالة أزمة. ﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾ والعجل السمين من مظاهر الإكرام وراغ معناها أنه ذهب بخفية ولم يرد أن يظهر أنه ذهب وهذا من إكرام الضيف. ﴿فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ وهذا أيضاً من باب الإكرام أن قرّب لهم الطعام وقال ألا تأكلون. ﴿فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ لم يرد ابراهيم أن يطلعهم على خوفه وهذا من مظاهر التكريم ولم يقل هنا أوجس في نفسه كما جاء في قصة موسى لأن الخوف قد يظهر وقد لا يظهر وفي قصة موسى لم يُرد أن يُظهر خوفه لأنه في مواجهة فرعون وقومه. ﴿قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ﴾ ظهر عليه الخوف هنا وعمّ الخوف أهل البيت جميعاً. ﴿وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ﴾ لم يعترض ابراهيم هنا لأن الإعتراض ليس من مقام الإكرام فلم يشك في قولهم ولا اعترض عليهم ﴿قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ﴾ واجههم بالخوف وأجهروا بالبشرى فكما قال لهم إنا منكم وجلون قالوا له إنا نبشرك بغلام عليم، واعترف ابراهيم أنه يشك فيهم مما بلغه من الخوف فقال ﴿قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾ ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ لم تكن خائفة أو وجلة إنما خرجت لمواجهتهم. لم يذكر امرأة ابراهيم لأن الخوف هنا كان طاغياً على البيت كله وأهله ولهذا لم تظهر امرأته لمواجهتهم.

ﵟ وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ﵞ سورة الحجر - 51


Icon