الوقفات التدبرية

آية (77): *ما دلالة (من) في قوله تعالى (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ...

آية (77): *ما دلالة ﴿من﴾ في قوله تعالى ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾؟ يقول النحاة أن (نصرناه من) تعني نجّيناه من و(نصرناه على) تفيد الإستعلاء مثل وصفه تعالى لقارون﴿فخرج على قومه فى زينته﴾. ونسأل لماذا لم يستخدم سبحانه كلمة (نجّيناه من) بدل نصرناه من؟ ونقول أن الفرق بين نجيناه من ونصرناه من أن الأولى تتعلق بالناجي نفسه أما النصرة هنا فهى نجاة للناجي وعقاب لخصمه فهي تتعلق بالجانبين بمعنى أنه نجّى نوحاً وعاقب الآخرين . وقد ورد في القرآن الكريم في سورة هود (وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ {30}) وفي سورة العنكبوت ﴿فأنجاه الله من النار﴾ و في سورة التحريم ﴿ونجّني من فرعون وعمله﴾. * نيابة حروف الجر بعضها عن بعض، هل هذه المسألة مطلقة؟ كتب النحو تشير إلى أن نيابة حروف الجر نيابة حرف عن حرف فهل هذا مضطرد في القرآن الكريم أيضاً؟ فأنا أدرِّس الطلاب على أن النيابة لا تنطبق في حروف الجر في القرآن الكريم قد تنطبق في كلام العرب ولكن هذا لا ينطبق على آيات القرآن الكريم فوددت أن يشير الدكتور فاضل على هذه المسألة؟ (د.فاضل السامرائى) النحاة لهم رأيان كبيران، الكوفيين والبصريين. الكوفيين يقولون بالنيابة أما جمهور النحاة لا يقولون بذلك إلا نادراً لا يقولون أن حروف الجر يقع بعضها مكان بعض، يقولون بالتضمين يعني لفظ يُشرَب معنى لفظ فيأخذ حكمه. يعني يُذكر فعل ويذكر معه حرف جر يتعل بفعل آخر، يُذكر مع فعل آخر ليس معه. يذكر فعل يؤتى بحرف جر يتصل بفعل آخر ليس بهذا الفعل في الجملة نفسها يجمع فعلين فعل هذا وذاك الفعل بحرف جر واحد. مثل نصر قال تعالى (وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا (77) الأنبياء) الكوفيون يقولون ﴿على﴾ (نصرناه على القوم) نصر لا يتعدى بـ﴿من﴾ . *نقول نصرناه على القوم خارج القرآن؟ وفي القرآن بصفة عامة (وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) البقرة). هنا معناها نجيناه لأن ﴿من﴾ تتعدى مع نجّى (وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ (88) الأنبياء) النصر اكتسب معنيين النصر والنجاة. كيف النصر والنجاة؟ لأن هنا ليس فقط نجى هؤلاء ولكن عاقب أولئك. *كونه سبحانه وتعالى نصره يعني عاقب آخرين. ونجّاه، صار أمرين. نحن نقول نجيناه من الغرق لكن لا نقول نصرناه من الغرق. نقول نجيته من الغرق، نجاه من الغرق لا يمكن أن يقول نصرناه من الغرق لا يصح لغة لأن الغرق ليس محارباً، ليس مقاوماً . *إذن هنالك شرط ولا بد أن يكون هنالك قرينة سياقية. إذن قالوا هذا تضمين. يعني نجّى هذا وعاقب أولئك فصار نصراً. *ما معنى التضمين؟ إشراب لفظ معنى لفظ آخر. *يعني هنا الفعل المذكور نصر ضمّنه معنى نجّى. نحن الآن ذكرنا معنى ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا﴾ نحن نقول شرب من الماء، معنى ارتوى ارتوى من، صار تضمين. (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ (63) النور) نحن نقول خالف أمره ولا نقول خالف عن أمره، لم يقل الذين يخالفون أمره وإنما قال ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾ نحن نقول خالف الأوامر. ما المقصود؟ يعني بتعدون عن أمره، ينحرفون، ليس فقط المخالفة وإنما أيّ انحراف يذحره الإنسان، أيّ ابتعاد. *يعني هنا ضُمِّن معنى الابتعاد؟ هذا قاله القدامى. ينحرفون عن أمره أو يبتعدون، هذه مخالفة عظيمة. (سمع الله لمن حمده) نحن نقول سمعت فلان، *سمع الله من حمده، الفعل متعدي بذاته. سمع لـ يعني استجاب. سمع لي يعني استجاب لي. *ولكن نأتي الفعل الذي تُضمِّن معناه هل هو فعل قريب الصلة يقترب منه دلالياً؟ يأتي بمعنيين. *يعني يقترب منه دلالياً. وإذن هنا نصرناه بمعنى النصر والنجاة ومعاقبة الآخرين؟ ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ نحن نقول سأل عن لكن هنا ليس السؤال عنه. السؤال عن مثل ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ﴾ وإنما دعاه لنفسه طلبه لأن سأل به يعني دعاه، طلبه لنفسه، (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) الأنفال) إذن هو دعا بالحجارة قال (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) المعارج) هو طلب العذاب، دعا به. *ليس المفهوم سأل عن العذاب؟ ربنا يقول سأل عن مثل ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ﴾ سأل عن يعني استفسر أما هنا سأل به ليس بمعنى يستفسر وإنما طلبه. سأل به معناه دعاه وطلبه. فهذا التضمين يجمع المعنيين في تعبير واحد.

ﵟ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﵞ سورة الأنبياء - 77


Icon