الوقفات التدبرية

آية (46): * ما الفرق بين (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ)...

آية (46): * ما الفرق بين ﴿أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ و﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾؟ الفرق بين الواو والفاء أن الواو لمطلق الجمع تجمع بين عدة جمل قد يكون عطف جملة على جملة. الفاء في الغالب تفيد السبب سواء كانت عاطفة أو غير عاطفة (درس فنجح) (لا تأكل كثيراً فتمرض) يُنصب بعدها المضارع. ينبغي أن نعرف الحكم النحوي حتى نعرف أن نجيب. وذكرنا أن التبكيت والتهديد بالفاء أقوى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137) النساء) ليس فيها فاء. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34) محمد) لأنهم لا تُرجى لهم توبة. وفي الأولى هم أحياء قد يتوبون. لما لم يذكر الموت لم يأت بالفاء ولما ذكر الموت جاء بالفاء.النُحاة يقولون قد تأتي الفاء للتوكيد. في القرآن وغير القرآن إذا كان ما قبلها يدعو لما بعدها، يكون سبباً لما بعدها، أو يفضي لما بعدها يأتي بالفاء (السببية) ولا يؤتى بالواو. في غير القرآن نقول لا تأكل كثيراً فتمرض، ذاك أفضى لما بعد، الزيادة في الأكل سبب المرض. إذن هذا كحكم لغوي. ما قبلها سبب لما بعدها وإذا كان الأمر كذلك يؤتى بالفاء وإذا كان مجرد إخبار تقول فلان سافر وفلان حضر، تخبر عن جملة أشياء وليس بالضرورة أن هناك أسباب. هذا المعنى اللغوي العام في القرآن ﴿بلسان عربي﴾. إذا كان ما قبلها يفضي لما بعدها يأتي بالفاء ونضرب أمثلة ومنها السؤال عن الفرق بين أولم يسيروا وأفلم يسيروا. في سورة الحج (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)) قال قبلها (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44) فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ (45)) الذي قبلها سبب لما بعدها ووراءها (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (47)). *ما معنى القلوب فى قوله تعالى (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) الحج)؟(د.فاضل السامرائى) هذا السؤال يثار منذ زمن باعتبار أن التفكير يكون فى العقل ولذلك هم قالوا المقصود بالقلوب هي العقول، ولكن هنا قال ربنا ﴿الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ كثيراً ما يقولون القلب مقصود به العقل. سؤال: هل المقصود بالقلب العضلة التي فى الصدر أم في الدماغ؟ أحيانا ربنا يذكر العقل فى القرآن ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾. فقسم قال لأن القلب يضخ الدم للدماغ فلو توقف القلب لفسد الدماغ فيرجعها للقلب لأنه يقول أنه سبب نشاط الدماغ من القلب لو لم يذهب الدم للدماغ لفسد. والحقيقة هنالك أمر آخر الظاهر والله أعلم أن هناك فرق بين العقل والقلب: القلب كما يبدو يدفع إلى العمل بموجب ما تعقله، تعقل شيئاً والقلب يدفعه للعمل لأن الناس يختلفون بحسب الاستجابة إلى ما يعلمون ذلك راجع للقلب فأحياناً واحد يعلم الشيء ويعقله ويفهمه لكن لا يعمل به، العمل به راجع للقلب فالقلب يحرك ويدفع للعمل والعقل بارد يعلم الحجج، قد يكون هناك شخصان مؤمنان بفكرة واحدة ويأتي أحدهما بحجج أقوى من الآخر لكن الآخر ملتزم أكثر من صاحب الحجج. إذاً ما قيمة هذا العقل الذي هو مناط التفكير والقلب مناط العمل يدفعه إلى العمل يكون يقظاً متحركاً، ما قيمة المعرفة من دون أن تعمل بها؟ لا شيء. من العامّة نجد من عنده من الحجج أقل مما عند العالِم لكن هنالك من العامة من هم أكثر يقظة والتزاماً وتحركاً من العالِم فقلوبهم حيّة، إذن ما قيمة المعرفة؟ لا شيء.. بليّة العالم اليوم أن هناك ناس عندهم عقول ولكن ليس عندهم قلوب. الناس عندهم عقول لكن ليس عندهم قلوب. إذن هذا هو المهم "ولكن تعمى القلوب" ليس مسألة الحجج؟ فإذن المقصود بالقلوب هو أمر معنوي وليس العضلة التى فى الصدر حتى المخ موجود فى الرأس ولكن العقل أبعد من ذلك لا يقف عند مجرد عضلة. ذكر القرآن مثل أناس يعلمون صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكذبونه ولكن يجحدون، فما قيمة هذا العقل! ما قيمة هذه القناعة؟ ليس لها قيمة. إذن مناط التفكير هو العقل والقلب مناط الحثّ على العمل وهو يقظ متحرك هو الذي يدفع يفرق بين واحد وواحد وليست المشكلة في وجود العقل وإنما في وجود القلب الذي يدفع إلى العمل ويحرك له.

ﵟ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﵞ سورة الحج - 46


Icon