الوقفات التدبرية

آية (٨۲) : (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ...

آية (٨۲) : ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ * في سورة النمل (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦)) : الفاء تدل على الترتيب والتعقيب ﴿فَمَا﴾ معناه أنه رأساً جاوبه، والواو ليست بالضرورة وإنما قد تكون للتراخي: - في النمل التقريع والتوبيخ والإنكار أشد (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦) النمل). عندما أكمل ﴿قالوا أخرجوا آل لوط﴾ كان الرد أسرع ﴿فما كان﴾ أما الآية الثانية فليس فيها هذه الدلالة. في الأعراف ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ وفي النمل ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ أيها الأشد أن تقول لواحد أنت مسرف أو أنت جاهل؟ جاهل ، فعندما قال تجهلون فردوا عليه مباشرة ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ هذه الأشياء والإنكار (أئنكم، تبصرون، تجهلون) زيادة تقريع وإنكار فصار سرعة الرد هذا منطقي. -- في النمل ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ يعني ينظر بعضكم إلى بعض ولا يستحي أحد من أحد؟ هذه أقوى. في الأعراف ﴿مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ﴾. * حقيقة التطهر تكلّف الطهارة وجاء الفعل ﴿يَتَطَهَّرُونَ﴾ دون إنهم أناس طاهرون فالقوم لما اعتادوا على الفسوق كانوا يعدون الكمال منافراً لطباعهم فلا يطيقون معاشرة أهل الكمال ويذمون ما لهم من الكمالات فيسمونها ثِقلاً. ولذلك جاؤوا بهذا الفعل على صيغة التهكم والتصنع والتأمل بلوط ومن معه من المؤمنين. * اختلاف مقالات الأنبياء لأممهم ليس فى موقف واحد بل يدعو النبى طوائف من قومه فى أوقات مختلفة ومواطن شتى وقد يكون للطائفة منهم خصوص مرتكب فيراعى نبيهم ذلك فى دعائهم وقد يخاطب ملأهم الأعظم فى مواطن والفئة القليلة منهم فى موطن آخر وربما أطال فى موطن وأوجز فى موطن وذلك بحسب ما يرونه عليهم السلام أجدى وأنفع: ==== الآيات === في سورة "الأعراف" (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤)) أما في سورة "العنكبوت " (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (٢٨) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠)) وفي سورة " النمل " (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (٥٤) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (٥٥) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٥٦) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (٥٧) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٨)) -------------------------------------------------------------- الأمر الأول( إتيان الفاحشة) : ================ في سورتي " الأعراف" و " النمل " ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾ الهمزة فيها للاستفهام المقصود به الانكار وشدة التوبيخ على الفاحشة الشنعاء التى لم يأتها غيرهم. أما في سورة " العنكبوت " ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾ -------------------------------------------------------------- الأمر الثاني ﴿ (مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ / ﴿وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ : ============================= في سورة " الأعراف" تقدم فى الأعراف ذكر الأمم المكذبين قوم نوح وهود وصالح وخص بالذكر من مرتكباتهم أقبحها مما استوجبوا به العذاب، قيل لقوم لوط عليه السلام : هل وقع من هؤلاء المكذبين ما وقع منكم ؟ ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ تقريعا لهؤلاء بكونهم أول من فعل تلك الشناعة. وأما في سورة "النمل " لم يتقدم فى هذه السورة تفصيل أحوال الأمم السابقة وعقوبتهم، فعدل إلى ضرب آخر من التوبيخ ببيان شنيع المرتكب فى فعلهم. - ﴿وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ أى تدركون فحشها ببصائركم لا يستتر ولا يستحيى بعضكم من بعض إذ كانوا يتجاهرون بها تهكمًا واستهتارًا. - ﴿وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ من شأن من له عقل أو بصر أن يكتفى به فى تمييز شناعة هذا الفعل. - ولقبح هذا التعامى أعقب بقوله ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ هذا أعظم الجهل فلستم ممن يعقل أو يعلم شيئا. - تقدم فى السورة قوله فى قصة موسى عليه السلام ﴿فلما جاءتهم آياتنا مبصرة﴾ أى بينة واضحة جحدوا بها، والفاحشة هنا واضحة أو مشاهدة بالابصار جحدوا بها وهذا من أقبح مرتكب. وفي سورة " العنكبوت" ولما تقدم فى سورتى الأعراف والنمل تقريرهم تقريعا وتوبيخا وعرفوا بذلك مرة بعد مرة وردت قصتهم فى العنكبوت مؤكدة بإن واللام لثبوتها، فجاء الاخبار على مقتضى الترتيب فى السور والآى. --------------------------------------------------------------- الأمر الثالث (باقي وصف لوط عليه السلام لقومه): =========================== في سورة " الأعراف" ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ قصد الإشارة إلى التعريف بانهماكهم فى الجرائم وقبيح المرتكبات فنص على أفحشها وحصل الإيماء إلى ما وراء ذلك بما ذكر من إسرافهم. وأما سورة "النمل " ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ لما قيل ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ كان أهم شئ أن تنفى عنهم فائدة الأبصار إذ لم تغن عنهم شيئا فأعقب بقوله ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ أى أن مرتكبكم مع علمكم بشنيع ما فيه من أقبح ما يرتكبه الجهال. وفي سورة " النمل " ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ لما قيل ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ كان أهم شئ أن تنفى عنهم فائدة الأبصار إذ لم تغن عنهم شيئا فأعقب بقوله ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ أى أن مرتكبكم مع علمكم بشنيع ما فيه من أقبح ما يرتكبه الجهال. وفي سورة " العنكبوت " ﴿وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ وأما سورة العنكبوت فقصد فيها تفصيل ما أشير إليه فى الأعراف من شنيع ما ارتكبوه من إسرافهم، فبحسب ترتيب السور أجمل القول أولا فى جرائمهم في الأعراف ثم أتبع فى النمل ببيان فحش تلك الفعلة للأبصار والبصائر ثم أتبع ذلك فى العنكبوت بتفصيل بعض قبائح أفعالهم والتنصيص عليها. ------------------------------------------------------------- الأمر الثالث ﴿لتأتون الرجال﴾: ================= ففي سورتي "الأعراف " و "النمل " ﴿لتأتون الرجال﴾ لما تقرر بقوله فى الأعراف والنمل ﴿لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ﴾ ذكر مرتكبهم القبيح وأنهم فى ذلك من حيث لم يراعوا فى فعلهم إلا مجرد الشهوة كالبهائم ولم يلحظوا ما يلحظه العقلاء ولا ما قررته الشرائع من قصد التناسل والتوالد . وأما في سورة " العنكبوت " وجرى التعريف من حالهم فى سورة العنكبوت بمثل ذلك فقال تعالى ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ﴾. ----------------------------------------------------------- الأمر الرابع (باقي وصف لوط عليه السلام لقومه): ========================== في سورة " الأعراف " ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ قصد الإشارة إلى التعريف بانهماكهم فى الجرائم وقبيح المرتكبات فنص على أفحشها وحصل الإيماء إلى ما وراء ذلك بما ذكر من إسرافهم وأما سورة " النمل " ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ لما قيل ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ كان أهم شئ أن تنفى عنهم فائدة الأبصار إذ لم تغن عنهم شيئا فأعقب بقوله ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ أى أن مرتكبكم مع علمكم بشنيع ما فيه من أقبح ما يرتكبه الجهال. وفي سورة " العنكبوت" ﴿وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ وأما سورة العنكبوت فقصد فيها تفصيل ما أشير إليه فى الأعراف من شنيع ما ارتكبوه من إسرافهم، فبحسب ترتيب السور أجمل القول أولا فى جرائمهم في الأعراف ثم أتبع فى النمل ببيان فحش تلك الفعلة للأبصار والبصائر ثم أتبع ذلك فى العنكبوت بتفصيل بعض قبائح أفعالهم والتنصيص عليها ------------------------------------------------------------ الأمر الخامس (الاختلاف الوارد فى جواب قوم لوط عليه السلام): =================================== ففي سورة " الأعراف" ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ وأما سورة " النمل " ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ لما زيد فى تعنيفهم فى النمل وتعريفهم بإتيانهم الفاحشة على علم ومجاهرة بها وذلك أقبح فى المرتكب خصص طلبهم بإخراج ﴿آَلَ لُوطٍ﴾ وهو أخص من إخراج جميع من للوط عليه السلام من ذويه وأهله من قوله ﴿أَخْرِجُوهُمْ﴾ بما يدل على الزيادة في توبيخهم وفي سورة " العنكبوت " ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ ولما كان تعداد مرتكباتهم أشد توبيخا فى تقريعهم وأنكأ لتمييز أفئدتهم كان مظنة تهيج واشتعال لسئ أخلاقهم وقبيح جوابهم فجاوبوا جواب من استحكم حنقه وطبع على قلبه فقالوا ﴿ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ﴾ للتأكيد على التكذيب والمعاندة والكفر لأن قولهم فى الموضعين السابقين على شناعة مرتكبهم فيه ليس كطلبهم العذاب لأن قولهم ﴿أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ﴾ يفهم فحواه ما يستلزم إخراجهم من مجازاتهم على ذلك مثل قول القائل لمعانده : أنا أعاملك بكذا فإن قدرت على الانتصار لنفسك فافعل، وهذا يختلف عن القول: أنا أفعل كذا ولا أبالى بما يكون عن ذلك وكأنهم لما اشتد حنقهم طلبوا العذاب وقالوا: أخرجوهم فإن كان عذاب فليأت به، والله سبحانه أعلم. ----------------------------------------------------------- الأمر السادس (الاختلاف فيما ذكر فى إهلاك امرأة لوط عليه السلام): ================================ ففي سورة "الأعراف" ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ ﴿كَانَتْ﴾ فليناسب إيجازا قوله ﴿أَخْرِجُوهُمْ﴾ وأما سورة " النمل " ﴿قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ ليناسب ﴿أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ﴾ وفي سورة "العنكبوت" ﴿كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ ---------------------------------------------------------- الأمر السابع ﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا ﴾ : ====================== ففي سورة " الأعراف " لما تقدم قوله ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ لما جمع إلى قبيح الفحش الاجترام من حيث لم يفعل تلك الفعلة الشنعاء من تقدمهم فأجمع إلى الفحش الاجترام فأعقب بقوله ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾. وأما سورة " النمل " ﴿فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾ وهل كان يحسن العكس؟ والجواب ولما تقدم فى النمل قوله ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ جاء تعنيف وإنذار يناسب شناعة فعلهم لم يقع مثله فى الأعراف بعد ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ --------------------------------------------------------- الأمر الثامن ﴿وما كان جواب قومه﴾\ (فما كام جواب قومه): ================================= حيث يراد مع ما سببية أو ما يشبه معنى المجازاة فالأولى أن يترتب الجواب بالفاء مثل ﴿فكذبوه فأنجيناه﴾. ففي سورة "الأعراف" الختم فى الآيتين قبلها مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ بالجمل الإسمية ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ فليس هذا فى تقدير السببية . وأما سورة "النمل " لما تقدم قوله تعالى ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ أى وقد منحتم بصائر للفهم والاعتبار أو أبصارا لإدراك الأشياء وإحراز الحياء المانع من مواقعة العار. فما أثمر ذلك لكم إلا التعامى والتمادى في عنادكم فختام الآيتين بقوله ﴿وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ وقوله ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ فالجملة الفعلية فى خبر المبتدأ فى الأول وفى الصفة الموطئة للخبر فى الثانية مسوغ لتقدير معنى السببية فورد ما يقوي السياق. وفي سورة "العنكبوت" وأما آية العنكبوت فقد تقدم فيها أيضا قوله تعالى ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ فهذه جملة فعلية وتقدير معنى السببية فيها كآية النمل ، فالجواب فيها بالفاء كما فى آية النمل أولى وأجرى مع المعنى وما يعطيه السياق وجاء كل ذلك على ما يناسب والله أعلم.

ﵟ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﵞ سورة الأعراف - 82


Icon