الوقفات التدبرية

(تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ...

﴿تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ﴾ * الفرق بين (جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ) و ﴿جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ﴾ : لما يذكر الأحكام التي تأتي عن الله تعالى ينسب الرسل إلى الله تعالى ويقول رسلنا، ولما يتكلم بما يتعلق بموقف القرى من الرسل وما أصابهم من سوء ينسبهم إليهم ويقول رسلهم. آية المائدة جاءت عن الله تعالى وذكر فيها أحكام (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (۳۲)). آية الأعراف تتكلم عن موقف القوم من الرسل وكان عليهم أن ينتفعوا بالرسل. * الفرق بين الآية وآية سورة يونس (فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤)) : لغويًا : يحتمل أن يقال كذب به أو كذبه. بيانيًا : الملاحظ أن الإطلاق هو سياق الآيات في الأعراف والتخصيص سياق الآيات في يونس: أولًا: في الأعراف ﴿بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ﴾ وفي يونس ﴿بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ﴾ : قبل آية الأعراف قال ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ لماذا كذبوا؟ لم يذكر فأطلق التكذيب كما أطلقه في الآية التي بعدها. في يونس قال قبل الآية (وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧۳)) هنا حدد التكذيب بالآيات، إذن السياق في الأعراف هو إطلاق وفي يونس تخصيص هذا واضح. ثانيًا: في الأعراف ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ﴾ وفى يونس ﴿كَذَلِكَ نَطْبَعُ﴾ : فى يونس مناسب ومرتبط بما افتتحت به الآية ﴿ثم بعثنا﴾ فأخبر تعالى بإنعامه على عباده بنعمة الرسل إحسانًا وامتنانًا ولتقوم الحجة على الخلق فقال تعالى ﴿بعثنا﴾ بإضافة هذا الفعل إلى ضمير المتكلم فناسب ذلك ما بنى عليه، أما آية الأعراف فمبنية على مطلعها حيث لم يتقدم ما يطلب بورود الفاعل مضمرًا. ثالثًاً: قال في خاتمة آية الأعراف ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ﴾ وفي يونس ﴿كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ﴾ : في يونس كفروا واعتدوا وفي الأعراف كفروا، أيُّ الأعمّ؟ كفروا أكثر، اعتدوا أخص فلما قال ﴿بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ﴾ جاء بالتخصيص ﴿الْمُعْتَدِينَ﴾ ولما أطلق التكذيب به أو بغيره ﴿بِمَا كَذَّبُواْ﴾ قال ﴿الْكَافِرِينَ﴾ وهي أعمّ. رابعاً: في الأعراف ﴿مُّوسَى﴾ وفى يونس ﴿مُوسَى وَهَارُونَ﴾ : بعد آية الأعراف قال (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ... (١٠۳)) وفي يونس قال بعدها (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا ... (٧٥)) زاد هارون كما زاد ﴿به﴾ هناك لم يذكر هارون فلم يذكر به، هذه مناسبة أخرى لاحظ تخصيص السياق قبلها وبعدها.

ﵟ تِلْكَ الْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ﵞ سورة الأعراف - 101


Icon