الوقفات التدبرية

آية (50) : * في الحديث عن السيدة مريم وسيدنا عيسى عليه السلام قال...

آية (50) : * في الحديث عن السيدة مريم وسيدنا عيسى عليه السلام قال تعالى مرة (وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ (91) الأنبياء) ومرة (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50) المؤمنون) فما دلالة التقديم والتأخير؟ ( د. محمد صافي المستغانمي) القرآن لا بد أن يُقرأ في سياقه. عندما نقرأ الآية في سورة الأنبياء ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ قبلها بقليل قال ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾ السياق يتحدث عن مريم عليها السلام وعلى ابنها ونبينا أفضل الصلاة والسلام، هنا ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ قدّمها على ابنها لأن الحديث عنها مع أن ابنها أفضل منها لأنه نبي ورسول من أولي العزم ومريم امرأة صالحة اجتباها الله. لكن في سورة المؤمنون السياق يتحدث عن الأنبياء والرسل (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ (44) المؤمنون) إلى أن يقول (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50)) إلى أن يقول (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51)) في الحديث عن الرسل، ففي الحديث عن الرسل الأَوْلَى أن يُقدّم عيسى على والدته فقدّم. الحديث عن الرسل ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ فالأولى تقديم عيسى بن مريم على أمه ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾. بينما في سورة الأنبياء تحدثت عن فضل الله عز وجل على مريم عليها السلام وعلى ابنها والسياق عنها ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾ هنا الأوْلَى أن يقدّم الحديث عنها ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ وهذا من دراسة التناسق. * الفعل ﴿جعل﴾ في اللغة يدل على التحول والتغير من حالة إلى حالة كما تقوم بعض المعاجم العربية، فما اللمسة البيانية في استخدام فعل ﴿جعلنا﴾ في الآيتين؟ ودلالة تكرار الفعل ﴿جعل﴾؟ فهل لهذا فائدة بلاغية؟ من خلال الدراسة فعل ﴿جعل﴾ جعله ولم يكن من قبل كما يقول تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً (23) الجاثية) هنا ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ مولد عيسى ابن مريم مولداً عجيباً في العالم كله، وولادته ذات عجب تحير العالمين أنجبته مريم من دوب أب، فالله تعالى جعله وأبرزه آية ظاهرة جلية للعالمين هو وأمه العذاراء البتول الطاهرة المطهرة، ففعل ﴿جعل﴾ يعني صيّره آية للعالمين فحمل معنى الإبداء ومعنى الجعل ومعنى التصيير والإظهار.

ﵟ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﵞ سورة المؤمنون - 50


Icon