الوقفات التدبرية

آية (71): *(ورتل القرآن ترتيلاً): (قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا...

آية (71): *﴿ورتل القرآن ترتيلاً﴾: (قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ (71)) أراد الله بقوله ﴿وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا﴾ نرجع إلى كفرنا فلم عدل عن هذا التعبير إلى قوله ﴿وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا﴾ الأعقاب جمع عقب وهو مؤخر القدم وعقب كل شيء آخره. فإذا قلت عن رجل أنه رجع على عقبيه أو نكص على عقبيه فقد قصدت بأنه رجع إلى المكان الذي جاء منه ولكن عبارة ﴿وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا﴾ لو رجع على عقبيه تمثل عودة الإنسان للتلبس في حالة ذميمة كان قد فارقها ثم عاد إليها ولذلك لا نقول على رجل حج بيت الله رجع على عقبيه. وهذه الآية تمثل حال المرتد إلى الشرك بعد أن أسلم بحال من خرج في شأن مهم فرجع على عقبيه ولم يقض ما خرج له. وهذا التصوير أبلغ في تمثيل سوء الحالة من أن يقال نرجع إلى الكفر من بعد الإيمان. (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا (71)) انظر إلى هذا الإيجاز البديع وهذا التصوير الذي يجعلك أمام مشهد تمثيلي شاخص وكأنك تبصره. فالله يصور في هذا التمثيل العجيب حالة من رضي ارتداده إلى ضلالة الشرك بعد هدى الإسلام وأذعن لدعوة المشركين وهجر أصحابه المسلمين الذين يحوطونه بالرعاية. شبه حاله هذه بحال من فسد عقله باستهواء من الشياطين فتاه في الأرض بعد أن كان عاقلاً عارفاً بمسالكها. انظر إلى هذا المشهد فقد اشتمل على تصاوير عدة فقد شبه المرتدين عن الإيمان بمن فقد عقله فجُنّ وشبه الكافر بالهيام في الأرض وشبه المشركين الذين يفتنون المرء عن دينه بالشياطين وشبه دعوة الله وملائكته للإيمان بالأصحاب الذين يدعون إلى الهدى.

ﵟ قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﵞ سورة الأنعام - 71


Icon