الوقفات التدبرية

آية (9) : * (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ...

آية (9) : * (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9)) ما معنى الذوق؟ هل هو محمود أم مكروه؟ كثير أم قليل؟ ذاق الشيء يعني خبره وجرّبه ويكون بالفم وغير الفمّ، الذوق ليس مخصوصاً بالفم أو بغير الفم ويكون في المحمود والمكروه ويكون في القليل والكثير، عامّ. ربنا قال (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ (22) الأعراف) (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ (21) السجدة) (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ (56) النساء) هذا دائم مستمر. (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) الحج) هذا دائم (وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) القمر) مستقر، إذن الذوق هذا مستمر ثابت. (وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا (19) الفرقان) كبير وصفه بالكِبر، (ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ (70) يونس) إذن هو يصلح للقليل والكثير. * ﴿إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ﴾ ما معنى يؤوس كفور؟ كلاهما من صيغ المبالغة على وزن فعول. يؤوس يعني شديد اليأس من أن تعود إليه النعمة التي سلبت منه والكفور شديد لكفران يئس من العودة عظيم الكفران لما سلف من النعم، لم يشكر النعمة ويئس من عودتها فقال يؤوس كفور أمران. يؤوس من أن تعود إليه النعمة وكفور لم يشكر تلك النعمة، يؤوس كفور. * ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً﴾ ربنا تبارك وتعالى قدّم الجار والمجرور على الرحمة مع أنه في آية أخرى في فصلت قال (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا (50)) أخّر ﴿منا﴾ وقدّم) الرحمة فلم اختلف الترتيب؟ هذه الآية من سورة هود قال ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ﴾. آية فصلت (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى (50) فصلت). في آية هود التي نحن بصددها التي هي ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ﴾ هذا التعقيب ﴿إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُور﴾ على الرحمة أو على نزع الرحمة؟ على نزع الرحمة وليس على الرحمة. في آية فصلت ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى﴾ هذا من أثر الرحمة أو من أثر نزع الرحمة؟ من أثر الرحمة ﴿لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي﴾ من أثر الرحمة. إذن في هود أثر نزع الرحمة وفي فصلت أثر الرحمة فلما كان الكلام في نزع الرحمة أخّر الرحمة ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً﴾ ولما كان الكلام على الرحمة قدّم الرحمة في فصلت ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ﴾. * إذن المعيار هو السياق والمراد من هذه الآية ليس مجرد رصف المباني هكذا؟ السياق والاهتمام. الاهتمام هو في نزع الرحمة في آية هود والاهتمام بالرحمة وأثرها على الإنسان في فصلت. * اللافت للنظر في هذه الآية الكريمة أنه في ختامها قال ﴿إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ﴾ وأن الله سبحانه وتعالى قال في فصلت (لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ (49)) فلماذا اختلفت النهايات؟ وما اللمسة البيانية في الكل؟ في آية هود قال ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ﴾ ذكر أمرين الإتيان والنزع فقال ﴿إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ﴾ بالنسبة للرحمة التي أوتيها لم يشكرها هذا كفور ويؤوس من العودة إلى الخير وما إلى ذلك يائس من رحمة الله. الآية التي ذكرتها في فصلت ﴿لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ﴾. في آية هود ذكر أمرين (أذقنا الإنسان منا رحمة، نزعناها) وهنا قال ﴿لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ﴾ إذن لم يذكر حالة معينة، ماذا كان في حالة الدعاء؟ هل كان في نعمة أو في ضر؟ لم يذكر شيئاً. ثم قال بعدها ﴿وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ﴾ إذن ذكر مسألة واحدة وهي مسّ الشر، هذه الحالة ليست معروفة ما هي؟ دعاء الخير هي حالة عامة لا نعلم إن كان فيها رحمة يحتمل حالة واحدة، إذن ذكر في هذه الآية أمر واحد ﴿وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ﴾. * مس الشر فقط وفي هود ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ﴾ فصار يؤوس كفور لأنه ذكر حالتين، حالة إذاقة الرحمة المفروض أن يشكرها ولكنه صار كفوراً ونزع الرحمة، صار أمرين. الله سبحانه وتعالى ذكر فقط حالة واحدة. لم يذكر نعمة وإنما قال ﴿وإن مسه الشر﴾ إذن هي حالة واحدة. (يَؤُوسٌ قَنُوطٌ) من رحمة الله. * ما معنى القنوط؟ أكثر حالات اليأس، القنوط هو أشد حالات اليأس، شدة اليأس من الخير، القُنوط شدة اليأس من الخير. إذن حالة يؤوس هي أشد الحالات يؤوس بلغ إلى درجة القنوط وهو شدة اليأس حالة واحدة بينما هناك ذكر أمرين. * هي قَنوط أو قُنوط؟ القُنوط مصدر والقَنوط صيغة مبالغة، وأصل الفعل قنط يقنَط (وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ (56) الحجر) ﴿لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ﴾ قَنوط صيغة مبالغة مثل يؤوس، كفور، فَعول. يؤوس قنوط يعني بالغ شدة اليأس ، وكفور يكفر نعمة الله سبحانه وتعالى. إذن أصبح كل واحدة هي في سياقها. هناك ذكر أمرين إعطاء رحمة ونزعها صار يؤوس كفور، وهنا مسّه الشر فقط. * لكن هناك قنوت بالتاء وقنوط بالطاء؟ قنت يعني خضع لله (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا (9) الزمر) هذه غير.

ﵟ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ ﵞ سورة هود - 9


Icon