الوقفات التدبرية

*(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ...

*(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) الأنفال) ما دلالة خاتمة الآية؟ وفي البقرة (فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (192))؟ السياقان مختلفان، نقرأ الآيتين حتى تتضح: في البقرة قال تعالى (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)) في الأنفال قال (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (38) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)). الأولى في قريش واضحة لأنه قال ﴿وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾، الأخرى عامة ليست خاصة بقريش الكلام عموما ولذلك قال ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ بينما في قريش قال ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ لم يقل ﴿كله﴾، ﴿كله﴾ للتوكيد يفيد العموم والشمول إذن فيها آكد وإلا ما كان يأتي بالتوكيد، إذن جاء بما يدل على الشمول لما كان الكلام على الشمول والعموم عموم الكافرين، إذن هذه مسألة السياق. وقال في البقرة (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)) بالماضي وفي الأنفال قال ﴿إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ هذه أقرب وقتالهم كان أسبق، ما قال في البقرة ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ لم يضع احتمال التولي لأنهم سيصبحوا مسلمين، لم يضع احتمال ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ في البقرة وإنما وضعها في الاحتمال الثاني (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40) الأنفال)، لم يقل ﴿وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ﴾ في البقرة، هذا أوضحه في الإحتمال الآخر، إذن سياق البقرة في قريش لم يضع احتمال إن يتولوا أو إن يعودوا، هذا الاحتمال وضعه في الأماكن الأخرى، ولذلك قال في البقرة (فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)) لأنهم سيدخلون في الإسلام، لكن في الآخرين قال (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39)) هو تحسُّب لما سيفعلون في المستقبل لم يضع التحسب في قريش، فكل واحدة في سياقها، التحسب له احتمالات في هؤلاء غير الاحتمالات في غيرهم كل واحدة لها احتمالاتها فخالف الاحتمالات وزاد كل واحدة بحسب احتمالاتها كل واحدة في مكانها.

ﵟ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﵞ سورة البقرة - 192

ﵟ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﵞ سورة الأنفال - 39


Icon