الوقفات التدبرية

آية (27): * هنا رد الملأ من قوم نوح (فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ...

آية (27): * هنا رد الملأ من قوم نوح (فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) هود) الردود من هذا الملأ كيف تقيّمها في ميزان البلاغة والبيان؟ هؤلاء الملأ أشراف القوم ذكروا أموراً تدعوهم إلى الشك: أولاً قالوا ﴿مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا﴾ فلم أُثرت بهذا الفضل؟ قسم يرون أنه لو أراد الله أن ينزل رسولاً لأنزل ملائكة (وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً (24) المؤمنون) إذن الشبهة الأولى. ذكروا شبهات، أمور أولها أنه بشر. ثم من الذين اتبعوك؟ أراذل القوم ضعفاء، ليس لهم قيمة في المجتمع، ليسوا أشراف القوم، كيف يرى هؤلاء الأراذل ما لا يراه الأشراف؟! * الأشراف ترى كل شيء وتفهم كل شيء؟! أصحاب منطق وحجة. * هل هذا قياس فاسد؟ هم من الأساس يأخذون موقفاً منهم؟ طبعاً. حتى لو كان هؤلاء لا ينبغي أن يجالسوهم. نعم. هؤلاء الذين هم أراذل القوم اتبعوك بادي الرأي يعني من دون تفكير، من دون روية، هم أراذل ومن دون تفكير ما فكروا في الأمر. الإيمان عام للكل هم لا يريدون أن يفهموا هذه المسألة. * كان قبل نوح أنبياء وكان قبله رسل؟ وأناس صالحين؟ كان قبله أناس صالحين لكن هو أول رسول يبلِّغ. ما ذكر لنا القرآن قبله رسل، هو أول رسول يبلِّغ. * لكن كان هناك ناس صالحين على ديانة من قبله قالوا (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) نوح) إذن كان عندهم ما يجعلهم يفهمون الأمور على حقيقتها بروية فلم اتبعوا الشيطان هكذا وأعرضوا وصدوا؟ عموم الأديان عندما تبدأ تبدأ صافية ثم يدخلها دخن. * إذن أنهم بشر والذين اتبعوه أراذل واتبعوه من دون تفكير لكن حكمهم ﴿وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾؟ ليس هناك حصافة عقل ولا منطق ولا حالة اجتماعية ولا كلام . *وهذا هو منطق الإيمان بالرسل عندهم هم؟! الفائدة المستخلصة أن هذامنطق فاسد والإيمان بالرسالة لايقتضي كل هذا أصلاً ؟ ليس له علاقة بهذا أصلاً. * لكن ربما يسألون لماذا اختير سيدنا نوح؟ هم قالوا هذا بشر! ﴿مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا﴾ والآن قالوا ﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ الجميع، أنت ومن معك هؤلاء دخلوا هكذا من دون إيمان ﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾، الأتباع أيضاً كاذبون في ظنهم أيضاً، لم يؤمنوا حقاً به إنما لغرض من الأغراض، أول الأمر آمنوا ولم يشاؤوا أن يرجعوا عن ذلك. * الملاحظ هنا في قوله تبارك وتعالى قال ﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ وفي الأعراف قال (وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) الأعراف) وفي الشعراء (وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186)) ما الفرق؟ ولماذا اختلف التركيب داخل الآيات مع أن المعنى واحد؟ هم ماذا قالوا على حقيقة الواقع؟ القائل مختلف. الذين قالوا (وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) الأعراف) هذا قول قوم عاد إلى هود والثانية في الشعراء (وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186)) قول قوم شعيب لشعيب و﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِين﴾ لنوح، القائل مختلف * لكن هذه مؤكدة وهذه ليست مؤكدة فهل التأكيد له دخل بالمعنى؟ واحدة مؤكدة بـ ﴿إنّ﴾ واللام ﴿وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ والأخرى بـ﴿إن﴾ المخففة ﴿وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ أقل توكيداً والثالثة من دون توكيد ﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ لو نضع كل واحدة في سياقها نلاحظ أن مقام التكذيب في الأعراف أشد من الموطنين الآخرين والدليل لأنهم قالوا لنبيهم (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) الأعراف) ليس في المواطن الأخرى هكذا، لم يرد في المواطن الأخرى هذا، هذا إتهام حقير ثم كان بينه وبين قومه مشادة عنيفة (قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (70) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ (71) الأعراف) لم تحصل مثل هذه المشادة في المواطن الأخرى. (قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ (71)) ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾ (قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ (71) الأعراف) المواجهة شديدة لذلك كان التكذيب شديداً ﴿وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾. (وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (186) الشعراء) هذه أخفّ. في الشعراء قالوا (قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (185)) أى مسحور. هناك قالوا ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾، ثم لم يواجههم شعيب بل قال (قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (188)) ردة الفعل مختلفة أيضاً في كلامهم أو فيما رد عليهم الرسول. وفي هود ﴿مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا﴾ ليس فيه سفاهة ولا مسحرين حتى الرد عليهم لم يكن شديداً (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) هود) فإذن لا تستوجب مثل ذلك. خط بياني في التعبير في التوكيد بحسب المقام والسياق الذي ترد فيه لا يمكن بيانياً أن تضع واحدة مكان الأخرى

ﵟ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﵞ سورة هود - 27


Icon