الوقفات التدبرية

*ما الذي يمكن استبناطه في الآية من العمل الصالح لموسى  وابنة...

*ما الذي يمكن استبناطه في الآية من العمل الصالح لموسى  وابنة الرجل الصالح في سورة القصص ما هو العمل الصالح الذي فعله موسى حتى يرزقه الله تعالى الزوجة الصالحة؟ وكذلك ذكر تعالى مواصفات الزوجة الصالحة فرزقها الله تعالى موسى النبي؟(د.فاضل السامرائى) عند مدين ابتدأت الرحلة إلى مدين بقوله تعالى (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ (22) القصص) استعان ربه وطلب منه الهداية وهو فارّ ولم يكن يعلم أنه متوجه إلى مدين لا يعلم إلى أين يذهب مشى على غير هدى لكن الله تعالى لحكمة أرادها هداه أن يتجه إلى مدين، ﴿عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ﴾ فهداه هذا الدرس الأول. ورد ماء مدين (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ (23)) الأمة أي الخلق من الناس الكثير، ﴿مِن دُونِهِمُ﴾ يعني بعيدتين عنهم لم يقل معهم أو فيهم اللتان تفيدان الاختلاط، ﴿مِن دُونِهِمُ﴾ ليس هناك اختلاط وهذا يدل على عفتهما وحيائهما. ﴿تَذُودَانِ﴾ يعني تمنعان الماشية من أن تختلط بالآخرين. استغرب الرجل الفارّ خاصة أنه لم يوجد نسوة أخريات يسقون فقال (قَالَ مَا خَطْبُكُمَا (23)) لعله أن يعينهما. الخطب يعني الشأن، مبلغ سؤاله أن يساعدهما والظاهر أن في نفس موسى النزعة لمساعدة الآخرين والرحمة بالضعفاء. قالتا (قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)) حتى لا يصير كلام طويل وحوار جاء بالعذر حتى لا يصير سؤال وجواب وهذا يدل على فطنتهما وحسن أدبهما وعفتهما. السبب أبونا شيخ كبير، لم تقولا شيخ فقط وإنما شيخ كبير يعني طاعن في السن ولم يدر أي حديث بينهما بعد ذلك. لك يكن هناك تبسط في الحديث، موسى وقف عند المقدار الذي ينبغي وهما كذلك، (فَسَقَى لَهُمَا (24)) على السرعة جاء بالفاء الدالة على التعقيب ولم ينتظر حتى يستريح من عناء السفر، على السرعة من دون مهلة سقى لهما وهذا يدل على كرمه وسرعة نجدته. ثم نلاحظ أنه لم يذكر ماذا كان الرعاء يسقون ﴿وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾ وقال ﴿تَذُودَانِ﴾ لم يقل ماذا تذودان؟ لو ذكر المفعول تدل على أنه سقى لهما لهذا النوع وقد لا يسقي لغير نوع، لم يذكر المفعول حتى يصير إطلاق. لو قالتا لا نسقي الإبل وقال فسقى لهما لدلت على أنه سقى الإبل فأراد بهذا الحذف الإطلاق. ثم قال ﴿ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ﴾ مما يدل على أنه سقى لهما في الشمس والحر، إذن تعب وشمس وحر وعجّل لهما بالسقي، هذا يدل على شهامته ونجدته ودعا ربه ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ الخير يعني العافية والقوة فكان الفرج في الحال والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، (فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (25)) تمشي على استحياء والقول على استحياء لذلك هم يقفون فيها مرتين ﴿فجاءته إحداهما تمشي على استحياء/ قالت﴾ المشي على استحياء والآخر (وجاءته إحداهما تمشي/ على استحياء قالت) يعني القول على استحياء، لم يعتذر موسى وقال لا أبغي أجراً وإنما كان يحتاج لمن يتكلم معه، ولم يجري حديث بينهما كل الحديث إن أبي يدعوك فتبعها وهو يمشي أمامها وهي توجهه، أول مرة مشت أمامه فرأى الرياح تلعب في ثوبها فقال لها امشي خلفي وأرشديني. (فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)) والخائف يحتاج إلى من يؤمنه وأطعمه (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) قريش) آمنه وأطعمه. ﴿قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ وصف القوم بالظلم وهذا رجل يقال أنه شعيب وهو نبي، وصفهم بالظلم بما ذكر عنهم من أفعالهم وأنهم أرادوا قتله مع أن كان فعله خطأ (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ (15) القصص) لم يكن قاصداً قتله هذا لا يُقتل ومن أراد قتله فهو ظالم، موسى  كان مصدَّقاً عن الرجل الصالح. ذكرنا خروج سيدنا موسى  من مصر متوجهاً إلى مدين ثم كيف ورد ماء مدين ووجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد امرأتين من دونهم بعيدتين عنهم تذودان أغنامهما فسقى لهما ثم دعا ربه فقال (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) القصص) ثم ربنا سبحانه وتعالى أعانه مباشرة فجاءته إحداهما تمشي على استحياء (الاستحياء يكون للمشي أو للقول وهذا من باب التوسع في المعنى لا توجد قرينة سياقية تحدد معنى من المعاني لكن الوقف والابتداء فيه معنى من القرائن الدالة على المعنى هو الوقف والابتداء (فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35) القصص) هل فلا يصلون إليكما بآياتنا؟ أو فلا يصلون إليكما، بآياتنا أنتم الغالبون؟ الوقف يحدد المعنى.) ثم جاء إلى الرجل الصالح فتحدث إليه فأمّنه الرجل وقال (قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) القصص). إحداهما طلبت من أبيه أن يستأجره (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) القصص) ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ هذه كلمة جامعة ذكرت القوة والأمانة ولا يُزاد عليهما في كل عمل وأي عمل لا يصلح من دونهما القدرة والتمكّن أي القوة والأمانة أو (الكفاية التي يسمونها الآن الكفاءة والكفاءة ليست بهذا المعنى وإنما لها معنى آخر). الناس يقولون الكفاءة وهي حقيقة الكفاية وليست الكفاءة لأن الكفاءة لها معنى آخر، الكفؤ هو النظير، الكفاءة الزواج يكون شرطه الكفاءة يعني متناظرين (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) الإخلاص) هي كفؤاً وحذفت الهمزة للتخفيف. الكفاءة أن يكون هذا نظير هذا ولذلك يقولون من شرط الزواج الكفاءة. في اللغة وما يستعمله القدامى في كلامهم الكفاية. الكفاية والأمانة هذان أمران. ثم نلاحظ أنه عرض عليه الزواج لبّى رغبة ابنته وهذا أنسب عرض لأن موسى محتاج إلى مأوى إلى أنيس وإلى إسرة والرجل الصالح يحتاج إلى من معين قوي وأمين. هي قالت استأجره وهو قال أزوجك إحدى ابنتي فالعبد الصالح رأى أن هذا أنسب لأن الاستئجار قد يكون متعباً له فموسى هو رجل غريب وماذا يفعل له؟ كيف يدخل؟ كيف يخرج؟ موسى حدّثه وعرف منه الرجل الصالح القوة والأمانة من تصرفاته عندما لم يكثر الكلام مع ابنتيه وعندما رأى موسى  الريح تلعب بثوبها قال لها امشي خلفي ثم وجهيني، عرف من تصرفاته، ثم أعانها رغم تعبه وعنائه إذن الصفات هذه واضحة أنه قوي وأمين. إذن صاحب مدين يحتاج إلى قوي وأمين وموسى يحتاج إلى مأوى وإلى أنيس وإلى أسرة فلما كان الرجل قوياً وأميناً خطبه لابنته لأن الرجل يخطب لابنته. عندها سيدنا موسى  لم يكن مكلفاً بالرسالة بعد. خيّره الرجل بين امرأتين قد رآهما هناك (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ (27) القصص) والزواج مبدأه النظر إن هذا الأمر الأول تحقق، تخيّر. ابنته لم تمانع فإذن الموافقة حاصلة من ولي الأمر ومن المرأة ومن موسى، هذه شروط. وذكر مهر المرأة أن يشتغل عنده ثماني حجج (عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ (27)) فإذن كل أركان الزواج متحققة. ثم يشتغل عنده ثماني حجج فإن أتمها عشراً فمن تفضله وإحسانه ثم ذكر أنه لا يريد أن يستغله أو يشق عليه سيجده إن شاء الله من الصالحين في كل ما ينبغي أن يكون عليه الصلاح ليس في شيء معين أطلق الصلاح (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) القصص). موسى أيضاً عنده شرط قال (قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ (28) القصص) ليس عليه حرج في قضاء أيما الأجلين ووافقا على ذلك وأشهدا الله على هذا الاتفاق (وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) القصص). سؤال: لِمَ قال ﴿فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾ وقد رأى كل منهما الأمانة في صاحبه؟ لما قال ﴿فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ﴾ يعني ما ترغمني على غير ذلك. فهذا عموم ما ورد في قصة موسى في مدين. * ما الفرق اللغوي بين الأجر والثواب؟ (د.فاضل السامرائى) الأجر هو جزاء العمل لكن يقال في الغالب لما فيه عقد أو شبيه بعقد يجري مجرى العقد، هذا الأجر. (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ (27) القصص) الأجر مقابل العمل في الأصل (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (6) الطلاق). الثواب هناك فرق بين اللغة والاستعمال القرآني. الثواب في اللغة يقال في الخير والشر لكن القرآن فلم يستعملها إلا في الخير ومنها المثوبة أيضاً (فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ (153) آل عمران) لكن القرآن لم يستعمل كلمة ثواب إلا في الخير أما المثوبة (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ (60) المائدة) (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ (103) البقرة) الثواب خصصها في الخير وأكثر ما تستعمل في الخير. الأجر عقد، جزاء. فالأجر فيه نفع لأنك تتعاقد مع أحد على شيء. الثواب في الإستعمال القرآني هو جزاء على العمل لكن في اللغة ليس بالضرورة أن يكون في الخير لكن في القرآن فرّق بين (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) المطففين)، المثوبة استعملها القرآن في الخير والشر، أثاب يستعملها في الحزن. الأجر في الغالب يكون في الأعمال البدنية في الطاعات. *هل نستطيع أن نقول أن هنالك بين كلمات اللغة العربية المتقاربة في الدلالة أو التي تنتمي إلى حقل دلالي فوارق دلالية أم حدود واضحة المعالم؟ أحياناً تتقارب تقارباً كبيراً ولذلك حصل الاختلاف بين اللغويين هل هناك ترادف أو لا. *هذه قضية شائكة اختلف فيها علماء اللغة، إلى أي الرأيين تميل؟ في الحقيقة فيما كان من لغتين يمكن أن يكون ترادف مثل السكين والمدية لغتان كل واحدة تستعمل كلمة في الإشارة على مسمى واحد، هذه لغتين، هذه تُجمع تصير ترادف لأنها نفسها. فيما كان لغة واحد يجب أن يكون هناك فرق. *ماذا تقصد باللغة؟ نقول لغة تميم ولغة كذا، هل هي لغات قبائل العرب أم لغة غير العربية؟ لغات قبائل العرب. *ما يصطلح عليه الآن لهجات؟ الآن هم ما كانوا يقولون في السابق، ما كانوا يقولون لهجات مع أن اللهجة موجودة في اللغة لكن النحويين يقولون لغة قريش، لغة الحجاز ، هم كانوا يستعملون لغة ونحن الآن نقول لهجات. *هل في القرآن الكريم ترادف؟ لا ترادف في القرآن أبداً لا بد أن يستعمل كل كلمة بفارق لغوي معين. هي مسألة خلافية لكن هذا الذي يقوى في نفسي أنه لا يوجد. *هل هذا مقصود في ذاته؟ طبعاً نلاحظ أنه مقصود لأنه يأتي على نسق واحد في مواطن.في مواطن كل ما يرد في القرآن تجد له ظاهرة معينة ولو جاء في مواطن متعددة معنى أن هذا الشيء مقصود. *هل عوام المسلمون مطالبون بفهم دقائق اللغة كما تفهمها حضرتك وأنت نتعامل مع ىي القرآن بهذه الكيفية؟ وهل نُسأل في هذا يوم القيامة؟ لا، نحن مطالبون يقولون هناك فرض كفاية وفرض عين، فرض العين على كل واحد أن يقوم به مثل الطاعات الصلاة والصيام وإذا حصل عندك نصاب زكاة فأنت مكلّف بالزكاة. لست مكلفاً أن تعرف هذه الأمور الدقائق، لكن الله أعلم وأنا لست مفتياً في هذه المسألة ولكني أعتقد أن هذه من فروض الكفاية يعني لا بد أن يكون في المجتمع المسلم من يعلم هذه الأمور حتى يرد الشبهات إذا حصلت. *إذن هو علم مطلوب في حد ذاته؟ نعم، علم مطلوب لكن ليس من الجميع، هو مطلوب من الأمة أن تجعل هنالك جماعة ينصرفون لهذا العلم (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ (122) التوبة). *(قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) القصص) أليس في الثماني حجج مشقة على سيدنا موسى  فكيف قال الرجل الصالح لا أريد أن أشق عليك؟(د.فاضل السامرائى) الآية الكريمة (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)) العقد شريعة المتعاقدين وهذا عقد ولو كان موسى  يرى فيه مشقة لطلب تقصير المدة أو طلب فرصة للتفكير فالأمر يعود إلى موسى وليس لسائل السؤال ليس هو صاحب الشأن فالذي يقدر الأمر ويرى إن كان فيه مشقة أو لا هو سيدنا موسى  فلو كان يرى أن فيه مشقة لقال اجعلها أربع سنين أو ست أو دعني أفكر وأذكر لك الجواب بعد أيام مثلاً. ثم إن موسى  فارّ خرج من قومه خائفاً يترقب لأنه قتل أحدهم (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) القصص) فوجد زوجة ومسكناً وأماناً هذه نعمة من نعم الله تعالى عليه وليس من المعقول أن القاتل الفارّ يعود لمن يتقاضاه بعد مدة قصيرة ينتظر المدة أن تطول لعلها تُنسى أو يسقط الحكم في هذه المدة. ثم إن الله تعالى ذكرها من باب المنّة على موسى  (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) طه) هذه من المنة يعني أن موسى  كان مقراً بهذه المنة وما كان يرى فيها غير ذلك ولم يعتبرها موسى  مشقة وإنما اعتبرها مِنّة من الله تعالى ثم صار له غنم ومال. ثم الأمر الظاهر جداً هو أنه قضى أبعد الأجلين كما في الحديث فلو كان يرى فيها مشقة ما كان يقضي أبعد الأجلين (الأبعد هو عشر حجج) لو كان يرى فيها مشقة أو حيف كان يقضي الثمانية ويذهب، لماذا قضى أبعد الأجلين؟ لأن ليس فيها مشقة ووجد حسن المعاملة من هذا الرجل الصالح ومن الراحة ومن السكن ما جعله يقضي أبعد الأجلين وليس فيها مشقة كما تصور السائل. (فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25)) موسى  قصّ على الرجل الظروف التي دفعته إلى الفرار فقال له لا تخف فرعون ليس له على هذه المدينة سلطة، فالرجل الصالح أمّنه وزوّجه وجعل له عملاً مقابل مدة والمدة ليست بكثيرة وإلا اعترض موسى . حينما قال ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ﴾ يقصد بالمشقة أن يختار موسى كما يشاء ولا يريد أن يلزمه الرجل الصالح بالمدة. *ما معنى حجج في الآية (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ (27) القصص)؟(د.فاضل السامرائى) الحجج يعني سنوات وقد ذكرنا الفرق بين السنة والعام والحجة والحول وذكرنا معناها، الحجج معناها سنوات وذكرنا في حينها سبب اختيار ثماني حجج دون ثماني سنوات. قلنا أصل الحجة من الحج القصد والزيارة ومنها حج بيت الله هذا الأصل ثم صارت العبادة المعروفة. الزائر أو الذي يقصد بيت الله لا يلبث والمفروض أن يعود لأهله وبالنسبة لموسى لم تكن مدين دار إقامة، هو فرّ من مصر وفرّ إلى مدين فهي ليست مقر إقامته الدائمة ولذلك استعمل الحجة لأنه كالزائر. لما كان الحج بمعنى القصد والزيارة استعمل حجج لأنه لم يمكث فيها وإنما عاد إلى أهله (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ (29) القصص) كما يعود الحاج الزائر لأهله. الحجة معناها السنة ولكن الأصل معناها القصد والزيارة. لو قيل سنوات ليس بالضرورة أن نفهم أن موسى  سيعود. العرب كانوا يفهمون هذه المعاني وكل لكمة في القرآن لها سياقها ومعناها وهذا الكلام موجود في الكتب ويذكرون الفرق بين السنة والعام ولما يذكر في معنى أصل الحجة يذكرون معنى الزيارة.

ﵟ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ﵞ سورة القصص - 22


Icon