الوقفات التدبرية

آية (41): * ورتل القرآن ترتيلاً : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً...

آية (41): * ورتل القرآن ترتيلاً : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)) تأمل هذا المشهد الذي يثير في نفس السامع العجب والغرابة. فالآية تخبرنا عن فرعون وكبراء قومه. هم كانوا في الدنيا أئمة قومهم في الضلال وهذا معلوم لنا ولكن الغرابة أن إمامتهم مستمرة في اليوم الآخر. فقد صورهم البيان الإلهي على هيئة إمامة غريبة ودعوة عجيبة ﴿أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ وهذه الإمامة ترسم صورة في الخيال لأغرب الدعوات حين يقول الإمام لتابعيه "هيا بنا إلى النار". فأنت تُنَصِّب عليك إماماً ليرشدك إلى طريق الهدى وأولئك نصّبوا عليهم إماماً ليرشدهم ولكنه أضله الطريق فكان إمامهم وقائدهم ولكن إلى أين؟ إلى النار التي ينبغي أن يبعدهم عن لظاها. (وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ (42)) تأمل هذا التفنن البلاغي والأسلوب البياني الدقيق في رصد شأن آل فرعون. فاللعنة عليهم عبّر عنها القرآن بالفعل فقال ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾. وأما قبح مآلهم في الآخرة فقد عبّر عنه بالإسم فقال ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾. فما الحكمة وراء هذا التخالف والتنويع بين الجملة الفعلية ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ﴾ والإسمية ﴿هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾؟ ما ذاك إلا لأن اللعنة قد انتهى أمرها بإغراق آل فرعون فهي لا تقتضي الدوام ولذلك جيء معها بالجملة الفعلية ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ﴾. وأما تقبيح حالهم يوم القيامة فهو دائم معهم ملازم لهم فجيء في جانبه بالجملة الإسمية المقتضية الدوام والثبات.

ﵟ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ ﵞ سورة القصص - 41


Icon