الوقفات التدبرية

آية (3): * في قوله تعالى في سورة يونس (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا...

آية (3): * في قوله تعالى في سورة يونس (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (61)) وفي سورة سبأ (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (3)) جمع السموات وتقديمها على الأرض في سبأ وفي يونس إفراد السماء وتقديم الأرض وتقديم حرف الجر فما اللمسة البيانية في هذا؟ (د.فاضل السامرائي) حتى القدامى نظروا في هاتين الآيتين لما فيهما من اختلاف. في آية يونس (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (61)) وفي سبأ (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (3)) في الحلقات الأول قبل سنوات نحن تعرضنا لها. يونس سبأ (ما يعزب) ﴿عن ربك﴾ ﴿من مثقال﴾ ﴿في الأرض ولا في السماء﴾ ﴿ولا أصغرَ﴾ ﴿لا يعزب﴾ ﴿عنه﴾ ﴿مثقال﴾ (في السموات ولا في الأرض) (لا أصغرُ) في سبأ جمع وتقديم، الأرض قدمها على السماء في يونس وفي سبأ قدم السموات على الأرض. ﴿ولا أصغرَ﴾ بالنصب و (لا أصغرُ) بالرفع ، ضبط الحركة يغيّر الدلالة.  لو نظرنا في الآيتين في سياقها وكل آية تؤخذ في سياقها. ربنا قال في يونس (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (61)) إذن السياق في يونس على مقدار إحاطة علم الله بالأشياء كلها (وما تكون في شأن، وما تتلو منه من قرآن، ولا تعملون من عمل) هو إحاطة علم الله بالأشياء. في سبأ (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (3)) في سبأ الكلام عن الساعة، هذا تعليق عن الساعة. إذن الآن إتضح السياق واحدة على مقدار علم الله وإحاطته بالأمور إحاطة كاملة (ما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه) إحاطة علم الله بحيث لا يبقى شيء. وفي سبأ عن الساعة.  قال في يونس (ما يعزب) وقال في سبأ ﴿لا يعزب﴾. ﴿ما﴾ إذا دخلت على المضارع أفادت الحال. أما ﴿لا﴾ فهي للإستقبال وحتى النُحاة قالوا هي للاستقبال ﴿لن ولا﴾ أختان في نفي المستقبل إلا إن في ﴿لن﴾ توكيداً هكذا يقول الزمخشري. زيادة عن لا. وإن كان جمهور النحاة يقولون ﴿لا﴾ للمستقبل مثل ﴿لا تجزي نفس عن نفس شيئاً﴾ ، لكن قسم يقولون قد تقع للحال (فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ (20) النمل) وقتها، لكن هم مجمعون على أن تكون للإستقبال حتى النحاة والجمهور قالوا هي للإستقبال فيأولون كل ما عدا ذلك. فـ(ما يعزب) في حال، ما تكون في شأن، ما تتلو منه من قرآن، هذه أمور حال.أما الساعة أمور إستقبال فقال ﴿لا يعزب﴾. فـ ﴿لا﴾ للإستقبال مع الساعة و ﴿ما﴾ نفي أمور الحال. ﴿لا﴾ مع المضارع تفيد الإستقبال وهو مطلق كما في قوله تعالى (لا تأتينا الساعة إلا بغتة) فجاء الردّ من الله تعالى (بلى لتأتينكم) و﴿لا يعزب﴾ كل الجواب يقتضي النفي بـ ﴿لا﴾. إذن ﴿لا﴾ مطلقة تكون للحال أو للمستقبل وهي أقدم حرف نفي في العربية وأوسعها استعمالاً.  ﴿عن ربك﴾ واضحة من السياق لأن عندما قال ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء﴾ ليس هنالك ضمير متقدم، ليس هنالك كلام متقدّم عن الله، ليس هنالك ذكر لله.وبالتالي لا يصح وجود الضمير لأنه ليس يتقدمه شيء يفسره.بينما هنا يقول ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ﴾ قال ﴿لا يعزب عنه﴾. ما يقال بالسياق لغوياً ما يعزب عن ربك لأنه يكون تكرار. بينما في سبأ لم يتقدم شيء لأنه تقدّم ذكر الله تعالى قبله أما في سورة يونس فلم يتقدم ذكر الله تعالى فجاءت الآية ﴿وما يعزب عن ربك﴾.  ﴿من مثقال﴾ ﴿من﴾ كما نعلم للإستغراق والإحاطة. لما ربنا سبحانه وتعالى تكلم عن استغراق علمه وإحاطته بالأشياء (ما تكون في شأن، وما تتلو منه من قرآن، ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً، لاستغراق العلم فجاء بـ ﴿من﴾ الاستغراقية. في سبأ الكلام عن الساعة وليس عن الاستغراق. أيُّ واحد عنده معرفة في اللغة وقل له ضع ﴿من﴾ الاستغراقية. سيضعها في مكانها هذا.  عالم الغيب في سورة سبأ وكلمة عالم لا تأتي إلا مع المفرد ﴿عالم الغيب والشهادة﴾ وعالم إسم فاعل كقوله تعالى ﴿غافر الذنب﴾ أما علاّم فهي تقتضي المبالغة مثل ﴿غفّار﴾.  ﴿ولا أصغرُ﴾ و ﴿ولا أصغرَ﴾ لا النافية للجنس تفيد الاستغراق . في سورة يونس ﴿أصغرَ﴾ إسم مبني على الفتح ولا هي النافية للجنس وتعمل عمل إنّ وهي تنفي الجنس على العموم. ونقول في اللغة: لا رجلَ حاضرٌ بمعنى نفي قطعي. (هل من رجل؟ لا رجلَ) وهي شبيهة بحكم ﴿من﴾ السابقة. إذن جاء باستغراق نفي الجنس مع سياق الآيات في السورة. أما في سورة سبأ فالسياق ليس في الإستغراق ونقول في اللغة : لا رجلُ حاضرٌ. (هل رجلٌ؟ لا رجلٌ) فهي إذن ليست للإستغراق هنا. * نود أن نقف هنيهة عند لا النافية للجنس هذه. ما نفهمه لا طالبَ موجود، لا رجلَ في الدار، هذه لا النافية للجنس، إستغراق ماذا؟ يعني لا واحد من هذا الجنس ولا أكثر. * يعني لا واحد ولا اثنان ولا أكثر. لا يوجد من جنس الرجال. ولو قلت لا رجلٌ في الدار؟ لا رجلٌ يحتمل الواحد ويحتمل الاثنين. * يعني يمكن أن يكون هناك رجلين أو ثلاثة أو أربعة؟ ممكن ولذلك لا يحق لك أن تقول في اللغة لا رجلٌ بل رجلان، لا يحق لك أن تقول هكذا، لا يمكن، هذا خطأ لكن يمكن أن تقول لا رجلَ . * ينفي العدد ثم يكثّره فيما بعد ؟ نعم يكثره كما يشاء لأن (لا رجلٌ) تحتمل الجنس وتحتمل العدد. * تحتمل الجنس والعدد أما لا النافية للجنس لا تحتمل إلا الجنس؟ الجنس، قد يراد بها الواحد وقد يراد بها الجنس، أنت تريد العدد لا الجنس، لا رجلٌ بل رجلان، أنت تريد العدد لا تريد الجنس لا رجلٌ بل رجال، * نقول في الآية الكريمة ﴿ولا أصغرَ من ذلك﴾ ! هذا استغراق. ولذلك النحاة يقولون لا النافية للجنس هي جواب ل ﴿هل من﴾ هذه ﴿من﴾ الاستغراقية. يعني هل من طالب؟إجابتها لا طالبَ فقط لا نقول تقول لا طالبٌ. هل من طالبٍ؟ تقول لا طالبَ لأنك أنت سألت عن استغراق الجنس فجاوب بـ (لا النافية للجنس)، تقول هل طالبٌ؟ يأتيك الرد لا طالبٌ. * ولا طالبٌ تحتمل نفي الجنس أو تحتمل نفي العدد فقط، يمكن يكون هناك طالبان ثلاثة أربعة ؟ هل من سؤال عندك؟ لا سؤال. * وهم يسألون (هل من إله) لماذا يقول (هل من إله) هل معناه استغراق الآلهة مثلاً؟ كل أي نوع إله، إستغراق على العموم. * في زعمكم أنتم وكأنها للعموم والشمول؟ استغراق عام. * ﴿من﴾ الاستغراقية وبالتالي لا النافية للجنس فيها استغراق ﴿ولا أصغرَ من ذلك ولا أكبرَ﴾ ؟ هي جواب لـ ﴿هل من؟﴾ أصلاً. * في سورة سبأ نفس السؤال لكن قال ﴿ولا أصغرُ من ذلك ولا أكبرُ﴾ ليس فيه استغراق، ليس فيه إحاطة بعلم الله، ولا عن استعراق علم الله للأشياء وإنما الكلام عن الساعة وتعقيب على الساعة وليس عن الاستغراق. * مرة يقول في القرآن ﴿ولا أصغرَ﴾ ومرة يقول ﴿ولا أصغرُ﴾ يعني ما هذا التضارب؟ كما يقول بعض الناس الذين يحاولون أن يُعملوا عقلهم بالقرآن الكريم، هل هي أصغرَ أو أصغرُ؟ كلاهما. * هل نفهم أنه حاشا لله خارج القرآن لغوياً في سبأ لا يحيط علمه بمكان الأشياء كلها؟ آية يونس تدل على هذا في الاستغراق، آية سبأ ليس فيها استغراق؟ ليس هكذا. عندما نأتي بـ﴿لا﴾ التي يرتفع بعدها قالوا هذه فيها احتمالان قالوا احتمال نفي الجنس بالراجح واحتمال نفي العدد إذا دلّ على ذلك دليل * إذن هنالك قيد. وإذا لم يكن هنالك قيد فتنفي الجنس؟ ﴿لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ تعدّى فلا شيء على الأرض باقيا ولا وزر مما قضى الله واقيا  جمع السماء وتقديمها على الأرض : نحن في أكثر من مناسبة ذكرنا أن السماء قد تأتي لواحدة السموات أو لكل ما علاك فتكون السماء أشمل ، سموات قسم من هذا المعنى الواسع، قال تعالى (قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) الأنبياء) (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (6) الفرقان) ﴿قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ﴾ ﴿قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أيُ الأوسع؟ القول أو السر؟ القول يكون في السر والجهل فيشمل السر والجهر فلما عمّ جاء بالكلمة الأعمّ وهي السماء ، واستخدمت السماء في سورة يونس لأن السياق في الإستغراق فجاء بأوسع حالة وهي السماء لأنها أوسع بكثير من السموات في بعض الأحيان. فالسماء واحدة وهي تعني السموات أو كل ما علا وفي سورة سبأ استخدم السموات حسب ما يقتضيه السياق.فأيضاً هنا لما كان المقام مقام إحاطة قال السماء ولما لم يكن مقام إحاطة قال السموات . * هل الله تعالى بحاجة أن يعدد أنه يعلم كل شيء مرة في السماء ومرة في السموات كان يقول مثلاً يعلم كل أمر كما قال (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) غافر) وتنتهي هذه القضية، لماذا هذا التكرار في الدلالات؟ يثبت هذه المعاني، أحياناً يحتاج الكلام إلى تفصيل لا يدل عليه العموم أحياناً، يفصل كل شيء يوضح ما في الأرحام في سياقها. وهنا أيضاً قدم السماء على الأرض.  التقديم والتأخير بالنسبة للسماء والسموات في آيتي يونس وسبأ هذا أيضاً ذكره القدامى. آية يونس تتكلم عن أهل الأرض ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ﴾ هذا سكان الأرض فيقدّم الأرض التي هي مسكنهم. بينما آية سبأ تتكلم عن الساعة والساعة تأتي من السماء وتبدأ بأهل السماء قال (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ (68) الزمر) لأنها تبدأ هناك.

ﵟ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ۖ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ ۖ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﵞ سورة سبأ - 3

ﵟ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﵞ سورة يونس - 61


Icon