الوقفات التدبرية

آية (25): (إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)) فكرة عامة عن...

آية (25): (إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)) فكرة عامة عن الآية: يستمر الرجل الصالح الذي جاء من أقصى المدينة إلى أن يقول لقومه (إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)) الغريب في هذا الجو المكفهر مملوء بالإرهاب هو يأتي ويقول ﴿إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾ هو قال ﴿فَاسْمَعُونِ﴾ بصوت جهوري صدع بالحق بدون مواربة وأنه بدأ بنفسه يعني سبقهم إلى هذا الأمر لم ينتظر أن يكون معه أحد يشدّ عضده وإنما هو أعلن هذا وإن لم يكن معه أحد في هذا الجو هذا محض الإيمان مع أنهم هددوه بالرجم والعذاب وهو قال لهم ﴿إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾ بصوت واضح بيّن، هذا في غاية القوة. * لماذا لم يقل إني آمنت بربي؟ أولاً ربُّه هو ربّهم، ثم قسم يقول هذا الخطاب للرُسل (قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)) وهو قال ﴿إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ﴾ * وكأن هناك تحول في الخطاب من مخاطبته لقومه إلى مخاطبة الرسل؟ قسم قالوا هذا وقسم قال للجميع لأنه يرى أنه ليس هنالك رب ولا إله غيره، هو رب الجميع وإله الجميع فلما قال الرسل (قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)) قال ﴿إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ الذي تدعون إليه وهو الذي أرسلكم. الخطاب للجميع. * وهم يعبدون الأصنام لأنهم أربابهم! طبعاً، وأنا آمنت بربكم. * وكأنه حينما قال ﴿إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ فيها تحديد لوحدانية الله المطلقة سبحانه وتعالى. مع أنها تُنكر على فرعون أنه حينما قال (آمنت برب موسى وهارون) ألا يًقال أن رب موسى وهارون هو رب فرعون ورب العباد أيضاً؟ هذا الرب يدعو إليه وهو قال (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) النازعات) (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) الشعراء) فهو الرب والإله، هو ادّعى الربوبية والألوهية. يقولها بتكبّر. حتى هنا هو وحّد الألوهية والربوبية، هنا قال ﴿إِنِّي آَمَنْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ وقال ﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً﴾ فإذن لا أتخذ معبوداً غيره فوحّد الألوهية والربوبية. * لغوياً هل هنالك فرق بين الرب والإله؟ أليس الإثنان بمعنى؟ طبعاً. الرب هو المربي والمرشد والقيّم على الأمور حتى أنه يقال رب المنزل ورب الدار ورب الأسرة (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ (23) يوسف) (اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ (42) يوسف). الألوهية من العبادة، من ألِه، عَبَد، الألوهية من معنى العبادة، ألِه عَبَد، العبودية، الربوبية معنى آخر. لذلك يجمع الله تعالى بينهما فهو الرب وهو الإله. * في هذا الموقف هل يقول آمنت بالله أو آمنت بربكم؟ هو الآن قال (إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)) نقيض الضلال الهدى، والهدى من مهمة المُربي هو الذي يوجه وهو الذي يُرشد، هذا من مهمة المربّي ولذلك كثيراً في القرآن ما يقرن الهدى بالرب (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا (161) الأنعام) (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) طه) كثيراً ما تقترن الهداية بالرب. * لأنها من متطلبات الرب أن يُرشد وأن يعين! هو معنى الرب في الأصل المربي في اللغة، ربه يعني ربّاه في اللغة. * يعني من ضمن معنى ربنا أي الذي ربانا، ربانا على موائد كرمه وفضله سبحانه! وكلمة المرسلون، الإرسال أيضاً من الرب فكلمة رب هنا هي المناسِبة. ﴿إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ من الذي ينجي من الضلال؟ الهدى. ومن الذي يهدي؟ الرب. * قال في الاية ﴿إني﴾ فلماذا لم يقل أنا؟ جاء بتوكيد وقوة، جاء بتوكيد يؤكد إيمانه ليس عن طريق الضعف وإنما بكل قوة وتوكيد وثبات. جاء في التفسير الكبير:" في المخاطب بقوله ﴿بربكم﴾ وجوه: ﴿أحدهما﴾ هم المرسلون. قال المفسرون أقبل القوم عليه يريدون قتله فأقبل هو على المرسلين وقال: إني آمنت بربكم فاسمعوا قولي واشهدوا لي. و(ثانيهما) هم الكفار كأنه نصحهم وما نفعهم، قال فأنا آمنت فاسمعون. و(ثالثهما) بربكم أيها السامعون فاسمعون على العموم كما قلنا في قول الواعظ حيث يقول: يا مسكين ما أكثر أملك وما أنزر عملك، يريد به كل سامع يسمعه وفي قوله ﴿فاسمعون﴾ فوائد: (احدها) أنه كلام مترو متفكر حيث قال ﴿فاسمعون﴾ فإن المتكلم إذا كان يعلم أن لكلامه حماعة سامعين يتفكر. و(ثانيها) أنه ينبه القوم ويقول: إني أخبرتكم بما فعلت حتى لا تقولوا لم أخفيت عنا أمرك ولو أظهرت لآمنا معك. و(ثالثها) أن يكون المراد السماع الذي بمعنى القبول يقول القائل نصحته فسمع قولي أي قبله. فإن قلت لم قال من قبل (ومالي لا أعبد الذي فطرني) وقال ههنا ﴿آمنت بربكم﴾ ولم يقل آمنت بربي؟ نقول قولنا الخطاب مع الرسل أمر ظاهر لأنه لما قال ﴿آمنت بربكم﴾ ظهر عند الرسل أنه قبل قولهم وآمن بالرب الذي دعوه إليه ولو قال ﴿بربي﴾ لعلهم كانوا يقولون كل كافر يقول: لي رب وأنا مؤمن بربي. وأما على قولنا الخطاب مع الكفار ففيه بيان للتوحيد. وذلك لأنه لما قال ﴿أعبد الذي فطرني﴾ ثم قال ﴿آمنت بربكم﴾ فهم أنه يقول: ربي وربكم واحد وهو الذي فطرني وهو بعينه ربكم بخلاف ما لو قال: آمنت بربي فيقول الكافر وأنا أيضاً آمنت بربي ومثل هذا قوله تعالى ﴿الله ربنا وربكم﴾. وجاء في البحر المحيط: "ثم صرح بغيمانه وصدع بالحق فقال مخاطباً لقومه إني آمنت بربكم أي الذي كفرتم به فاسمعون أي اسمعوا قولي وأطيعون فقد نبهتكم عل الحق وإن العبادة لا تكون إلا لمن منه نشأتكم وإليه مرجعكم والظاهر أن الخطاب بالكاف والميم وبالواو هو لقومه والأمر على جهة المبالغة والتنبيه... وقيل الخطاب في ﴿بربكم﴾ وفي ﴿فاسمعون﴾ للرسل". وجاء في روح المعاني: "الظاهر أن الخطاب لقومه شافههم بذلك وضدع بالحق إظهاراً للتصلب في الدين وعدم المبالاة بما يصدر منهم.. وإضافة الرب إلى ضميرهم لتحقيق الحق والتنبيه على بطلان ما هم عليه من اتخاذ الأصنام أرباباً أي إني آمنت بربكم الذي خلقكم. ﴿فاسمعون﴾ أي فاسمعوا قولي فإني لا أبالي بما يكون منكم على ذلك. وقيل مراده دعوتهم إلى الخير الذي اختاره لنفسه".

ﵟ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﵞ سورة يس - 25


Icon