الوقفات التدبرية

* في سورة الأعراف في قصة موسى (قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ...

* في سورة الأعراف في قصة موسى (قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ (111)) وفي سورة الشعراء في قصة موسى (قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)) ما الفرق بين الصيغتين في سورتي الأعراف والشعراء؟(د. فاضل السامرائي) يختلفون في مشاهد تذكر في الأعراف ولا تذكر في الشعراء لكن هناك بعض المواقف قريبة من بعضها. هذا الموقف بين فرعون وموسى الموجود في القصتين في الشعراء يتميز بأمرين التفصيل في ذكر الأحداث وقوة المواجهة والتحدي بين سيدنا موسى وفرعون. مثلاً: تبدأ القصة في الأعراف بأقصر كلام (وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٠٤﴾ حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴿١٠٥﴾) انتهت، ثم قال (قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿١٠٦﴾). هذا في الأعراف. في الشعراء يذكر حوار ومحاجة بينهما في أمر الألوهية والربوبية فرعون يسأل موسى (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) الشعراء) وموسى يرد (قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ (24)) فرعون لم يرد عليه بحُجّة وإنما حاول أن يؤلب عليه من حوله (قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25)) يمضي موسى لا ينتبه لهذا الشيء فيقول (قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) الشعراء) فرعون يضيق به ويصفه بالجنون (قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27)) هذا في الأعراف لم يذكر. ثم موسى يُعرض عن هذا، يرميه بالجنون حتى يستثيره، موسى يمضي في المحاورة (قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (28) الشعراء) ﴿إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ حتى يستفز فيهم العقل والتفكير أنت ترميني بالجنون، فاقد العقل، لا، أنتم إعقلوا هذه المسألة. ثم يتوعده ويهدده بالسجن (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29))، هذه كلها لم تذكر في الأعراف. لاحظ، نأخذ بعض الملامح التي ذكرتها : سورة الأعراف سورة الشعراء (قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109)) (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) (يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ (111)) (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)) (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)) (وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113)) (فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41)) (قَالَ نَعَمْ وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114)) (قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (42)) (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ (123)) (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123)) (قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ (49)) (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (49)) (لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)) (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)) (قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (125)) (قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (50))  أولاً (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﴿١٠٩﴾ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴿١١٠﴾) هذا قول الملأ، في الشعراء (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)) هنا فرعون هو الذي قال. * خارج القصة ما الذي حدث ملأ فرعون هم قالوا أو فرعون الذي قال؟ كلاهما قال، قال فرعون وقال الملأ، هذا ليس فيه تعارض وإنما كل مرة يذكر واحداً منهما، لما كان الكلام بين موسى وفرعون اشتد فرعون هو الذي قال ولما كانت المسألة هكذا قال ﴿قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ﴾ فكلاهما قال، ليس هناك مانع أن يقول هذا ويقول ذاك نفس القول.  زاد ﴿بسحره﴾ (يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) الشعراء) لاحظ التفصيل، في الأعراف ما قال هذا.  الآن نأتي للفرق بين وأرسل وابعث: * هو ماذا قال بالضبط أرسل أو ابعث؟ وهل هناك فرق بين أرسل وابعث؟ --- عندنا أمرين من الناحية اللغوية ومن ناحية وضعها الفني: أصلاً تردد فعل الإرسال في الأعراف أكثر مما تردد في الشعراء، تردد ثلاثين مرة في الأعراف وفي الشعراء 17 مرة. --- نأتي للمسألة لغوياً: البعث هو إرسال وزيادة، إذن هو أعمّ. وفي اللغة أيضاً فيه معنى الإثارة والإنهاض والتهييج ﴿بعثه﴾. الإرسال مثل (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى (103) الأعراف) أرسلنا، أما بعث قد يكون من القوم أنفسهم تقيم تُنهض من القوم أنفسهم ليس بالضرورة إرسال. * الإرسال يحتمل أن يكون من خارج القوم؟ يحتمل. ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى﴾ قد يكون فيه إرسال. أما البعث في اللغة قد يكون إثارة بارِك تُقعده وتُنهضه، حتى يقولون البعير بعثه فهاج. إذن صار البعث هو إرسال وزيادة لأنه يحتمل أن ترسل، أهل اللغة ذكروا هذا، هذا المعنى غير متوفر في إرسال، البعث فيه أمرين، الإرسال إرسال، البعث فيه إرسال وزيادة إنهاض وتهييج أحياناً. (إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا (246) البقرة) (وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) الشعراء) هم لا يكتفون بالإرسال وإنما أراد أن يقيموا في المدائن الناس ينهضون الناس ويؤلبونهم على موسى ويهيجونهم ضد موسى . فهو مناسب للجو الذي فيه السورة والتحدي والقوة.  في الأعراف قال (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)) في الشعراء قال (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)) ﴿سحّار﴾ تضعيف فيها مبالغة (على وزن فعّال) مثل كاذب وكذّاب فيها مبالغة فأراد الناس المتمرسين بالسحر، المبالغين في السحر السحار البليغ في السحر يأتي وليس بأي ساحر وإنما ينتقي انتقاء وهذا مناسب للجو العام.  في الأعراف قال (وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113)) لم يذكر لمن قالوا؟ لكن في الشعراء (فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (41)) في الأعراف لم يظهر لمن قالوا، في الشعراء قالوا لفرعون ﴿أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا﴾ هذا توكيد، حذف في الأعراف همزة الاستفهام ﴿إِنَّ لَنَا لأَجْرًا﴾. ﴿أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا﴾ تأكيد.  في الأعراف ﴿وَإَنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾، في الشعراء ﴿وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾: ﴿إذن﴾ حرف جواب وجزاء، إن فعلتم إن غلبتم. (وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ (91) المؤمنون) إذن يعني لو كان ذلك لذهب كل إله بما خلق. سأزورك إذن أكرمك يعني إن زرتني. هذه فيها معنى الجواب والجزاء. ﴿إذن﴾ يعني إن فعلت، إن غلبت، كلها فيها توكيدات  وفي الشعراء ولأن التحدي كبير ألقي السحرة ساجدين فوراً ولم يرد ذلك في الأعراف.  مرة يقول (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ (123) الأعراف) ومرة يقول (قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ (49) الشعراء) غيّر حرف الجر، أمنتم به وآمنتم له، آمنتم به بالله وآمنتم له الفرعون. الحوار بين السحرة وفرعون. ﴿آمَنتُمْ لَهُ﴾ يعني لموسى (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ (49) الشعراء) هذا لا يصح أن يقال في الأعراف، ما قاله في الأعراف (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ (123) الأعراف). * هي آمنتم به أو آمنتم له؟ كل واحدة لها معنى، آمن به يعني بالفكرة أو آمن بالله. لغة انقاد له وصدق له (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) يوسف) بمؤمن لنا اي مصدّق لنا .  وفي الشعراء قال ﴿فألقوا حبالهم وعصيهم﴾ ولم يرد ذلك في الأعراف. حتى في الشعراء (فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44)) لأن موسى نال العزة بالكلام فقال السحرة ﴿وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ﴾ هذه ما ذكرها في الأعراف. في الشعراء ملامح عجيبة في الاختيارات حسب الموقف.  قال (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) الأعراف) ومرة قال (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (49) الشعراء) : نفس المسألة، التوكيد. (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (49) الشعراء) هذه فيها زيادة اللام للتوكيد، في الأعراف قال (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123)) لما كان الموقف شديداً ونال من عزة فرعون قال في الشعراء (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (49) الشعراء).  وليس فقط هذه قال في الأعراف (لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)) بينما قال في الشعراء (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49) الشعراء) ﴿ثم﴾ فيها تراخي بينما في الشعراء ليس فيها تراخي. وهذا يدل على أنه أعطاهم مهلة في الأعراف ولم يعطهم مهلة في الشعراء.  (قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (125) الأعراف) (قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (50) الشعراء) في التهديد الشديد، في الشعراء قالوا ﴿لَا ضَيْرَ﴾ لا ضير يعني لا ضرر، لا بأس، قالوها في الشعراء في التهديد الكبير ما قالها في الأعراف لئلا يقال أنهم خافوا وخشوا من التهديد الكبير في الشعراء. دلالة عدم الإكتراث بتهديد فرعون مع شدة التوعد والوعيد ثم مناسبة لمقام التفصيل. *هم قالوا الاثنين، قالوا هذه وهذه؟ قالوها كلها لكن ذكر قسماً منها هنا وقسماً آخر هناك. لكن أحياناً تأخذ قسماً من الكلام وأحياناً تأخذه كله وقد يكونوا قالوا أشياء أخرى. * هل كانوا يتكلمون العربية؟ لا، هذه أدق ترجمة بيانية لما قالوا. أنت الآن تكتب قصة باللغة الفرنسية إذا أردت أن تترجمها ترجمات مختلفة تختلف بحسب قدرتك البيانية، المعاني كلها صحيحة واحدة لكن أنت تصوغها بصياغة، تأتي قصة في غاية الجمال والدقة وأحياناً واحد ضعيف في الترجمة يصوغها بطريقة مختلفة لكن المعاني واحدة. هذه أدق ترجمة بيانية صيغت بأسلوب مُعجِز.

ﵟ قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ﵞ سورة الشعراء - 34


Icon