الوقفات التدبرية

* أحياناً في قصة واحدة وهي قصة نوح مرة يقول (فَكَذَّبُوهُ...

* أحياناً في قصة واحدة وهي قصة نوح مرة يقول (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ (73) يونس) ومرة يقول (فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) الشعراء) ما دلالة الاختلاف؟ (د.فاضل السامرائي) من حيث اللغة، من حيث السياق نحن أحياناً نتكلم عن الدنيا نقول الدنيا قصيرة وتنتهي ومرة نقول الدنيا طويلة. لو نقرأ المقطعين التي يقول فيها مرة يقول نجيناه ومرة أنجيناه حتى يتوضح سبب الاختيار. قال في يونس (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)). في الشعراء قال (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110) قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (112) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (115) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (116) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (118) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120)) من المقطعين سنرى أن الموقف في الشعراء أشد والمحاجّة أطول والتهديدات أشد. لماذا؟ لاحظ أصلاً في يونس لم يذكر لهم قولاً وإنما كل الكلام كان الكلام لنوح مع قومه هم لم يردوا عليه لم يقولوا شيئاً. في الشعراء وصفوا المؤمنين بأنهم أراذل ﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ﴾ وطلبوا طرد المؤمنين ﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وهددوه بالرجم إن لم يكفّ ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ شكا إلى ربه تكذيب قومه ﴿قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ﴾، دعا بالنجاة له ولمن معه ﴿فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ إذن السياق في الشعراء أشد لا يحتمل البقاء. كأنما ذاك في أول الدعوة لا يزال فيها متسع لأنهم لم يردوا عليه لم يتكلموا شيئاً وإنما كان هو مبلِّغاً الموقف عندما استطال صار فيه شدة لا يحتمل البقاء هددوه بالرجم ثم دعا ربه، هناك لم يدعُ ربه. فإذن ذاك المقام يستدعي البقاء الطويل حتى نجا، هنا لا يحتمل ولذلك قال ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ﴾ في المقام الذي يستدعي الإسراع جاء بفعل الذي فيه معنى الإسراع. وفي المقام الذي لا يستدعي الإسراع، الذي فيه متسع جاء بالفعل الذي فيه متسع، ثم الدعاء والدعاء يستجاب له بسرعة ﴿وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ قال ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ﴾. هناك لم يذكر أصلاً. كان فيها سرعة استجابة الدعاء إذن هناك أكثر من مناسبة تستدعي وضع كل فعل في مكانه. * هذا يجري على سنن اللغة العربية؟ والعربي القديم كان يفهم الفرق بين هذا وذاك؟ نعم فعّل وأفعل. يعلمون الفرق، الفرق بين علّم وأعلم. * هل يعلمون الفرق الذي تفضلت به الآن أنّ هذا في موقف فيه وقت فيقتضي ﴿نجيناه﴾ وهذا فيه سرعة فيقول أنجيناه؟ المتأمل الذي يفهم العربية يعلم هذا، المتأمل الذي ينظر فيها يعلم هذا.

ﵟ فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﵞ سورة الشعراء - 119


Icon