الوقفات التدبرية

*ما فائدة (أجمعون) بعد (كلهم) في الآية (فسجد الملائكة كلهم أجمعون (73)...

*ما فائدة ﴿أجمعون﴾ بعد ﴿كلهم﴾ في الآية (فسجد الملائكة كلهم أجمعون (73) ص)؟ هذا تأكيدان. لعلنا ذكرنا مرة أن في كلام العرب أحياناً يكون أكثر من مؤكِّد. يقول لك: نجح الطلاب، أنت لا تتوقع أن ينجحوا جميعاً فيقول لك: نجح الطلاب كلهم أجمعون وأحياناً يضيفون لها أكتعون أبصعون. هذه كلها تأكيدات ملاحق يريد أن يقول لم يرد عنهم أحد كأنها أجمعون أجمعون أجمعون كأنها هنا زيادة توكيد. وأجمعون إعرابها توكيد مرفوع. لما يكون الشك بالغاً أو محاولة نفي أي إحتمال لعدم الجمع يزاد في التوكيد. فلما قال الله عز وجل (فسجد الملائكة كلهم أجمعين) قد يخطر في بال السامع لأن الملائكة بعضهم صار عنده نوع من التساؤل ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها﴾ نوع من السؤال لله سبحانه وتعالى بعد أن أخبرهم الله عز وجل كما يقول بعض علمائنا ﴿إني جاعل في الأرض خليفة﴾ كأنما سألوا: ما شأن هذا الخليفة؟ قال: له ذرية بعضهم سيؤمن وبعضهم سيكفر، سيسيل الدماء، فهم بغرابة يسألون سؤال مستفهم يريدون معرفة الحجة والحكمة وليس استفهاماً إنكارياً ﴿أتجعل فيها من يفسد فيها﴾ فقد يتبادر للذهن أنهم لما أُمروا بالسجود ما سجدوا جميعاً فقيل ﴿كلهم أجمعون﴾ حتى لا يبقى أي ريب في أن جميع الملائكة سجدوا لينتزع كل ريب من نفس السامع والمتلقي ثم استثني إبليس ﴿إلا إبليس أبى﴾ معنى ذلك أنه كان مأموراً وهناك نص ﴿ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك﴾ وعدم ذكره في الأول إكراماً للملائكة لأن هؤلاء الملائكة - كما يذهب بعض علمائنا وأنا أميل لهذا الرأي - أنه ليس كل الملائكة في الكون دخلوا الإمتحان وإنما الذين لهم شغلٌ في الأرض، وإبليس له شغل في الأرض كما سبق في علم الله سبحانه وتعالى وفي قدره، فهؤلاء الذين لهم شغل في الأرض جميعاً وإبليس معهم واُدخلوا الإمتحان ثم طُلِب إليهم أن يسجدوا ومن ضمنهم إبليس طلب إليه أن يسجد لكن دخله الكِبر والجرأة على الله سبحانه وتعالى لأنه لم يتكبر كبراً وإنما تجرأ على الله سبحانه وتعالى وردّ الأمر وغلّطه وأبى التوبة ابتداءً، كان عليه أنه أحس بالغلط أن يتوب لكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً. فهذه فائدة التوكيد لأن الأمر يقتضي إلى نزع كل ذرة من ذرات إحتمال أن يكون بعض الملائكة توقف عن السجود فاحتاج إلى تأكيدين.

ﵟ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﵞ سورة ص - 73


Icon