الوقفات التدبرية

*لماذا حلف الشيطان بعزّة الله في الآية (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ...

*لماذا حلف الشيطان بعزّة الله في الآية (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) ص)؟ هذا القَسَم بعض العلماء يقول: علِم عدو الله أنه ليست له عزّة فأقسم بعزة الله سبحانه وتعالى، هذا قول لبعض العلماء. ولكن البعض يقول القسم عادة يتناسب مع المقسم عليه، الإنسان على ماذا يريد أن يُقسِم؟ القسم بلفظ الله يصلح لكل نوع، يقول الإنسان: والله لا أفعل هذا، والله لأفعلنّ كذا، لكن حينما يكون الأمر بحاجة إلى قوة وسلطان عند ذلك يكون القَسَم بعزة الله لأن العزة فيها معنى القوة والسلطان. أنت لا تقول مثلاً: "والرحمن الرحيم لأفعلنّ بأعداء الإسلام كذا"، لا تستقيم "والرحمن الرحيم"، لكن قُل: والله أو وعزّة الله. فلا يبعد أن القرآن الكريم ذكر هذا اللفظ ليشير إلى أن الأمر يحتاج إلى قوة وإلى سلطان في إغواء هؤلاء. هذه القوة من أين جاءته وهو ما عنده قوة ولا سلطان (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي (22) إبراهيم). هذه القدرة والقابلية على إغواء الناس وعلى الدخول إلى قلوبهم هي في واقع الحال من تمكين الله سبحانه وتعالى لهذا المخلوق لأنه يعلم - هذا المخلوق - أنه لم لم يمكّنه الله سبحانه وتعالى لا يستطيع أن يصل. الإنسان يوسوس له الشيطان، هذه الوسوسة إذا لم يشأ الله سبحانه وتعالى أن تحدث أثرها لا تحدث أثراً. فلا يكون شيء في مُلك الله عز وجل من غير إرادته لذلك نقول الذي يتصرف في ملكه لا يُسأل (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) الأنبياء). فالظاهر – والله أعلم – أن القسم هنا كان مناسباً يعني كأنما أنا سلبت مني العزة فأنا أقسم بعزتك وكأنه يتشبث يهذه العزة، بهذه القوة حتى يستطيع أن يغوي لأنه قال ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ بهذا التأكيد، بمجموعهم واستثنى (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) ص) وعندنا قراءة ﴿المخلِصين﴾. المخلَصين بفتح اللام هم الذين أخلصهم الله عز وجل لعبادته أو هم خلصوا هم بأنفسهم لعبادة الله سبحانه وتعالى وكلاهما مردّه إلى رحمة الله سبحانه وتعالى هو الذي يرحم عباده بأن لا يمكِّن الشيطان من الوصول لإغوائهم. إغواء الشيطان له مقدمات يفعلها الإنسان والشيطان لا يدخل إلى هذا الإنسان إلا بعد أن يقدم هذا الإنسان هذه المقدمات حتى يكون مسؤولاً عن عمله وإلا كيف يُسأل عن عملٍ لم يقدم فيه شيئاً؟. هو يقدم أسباب عمل الخير ويقدم أسباب عمل الضلال ثم الشيطان يتمكن منه وهو ماضٍ في تقديم أسباب الضلال لذلك في القرآن (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ (79) النساء) هو قدّم الإثنين لكن لا يكون شيء إلا بأمر الله سبحانه وتعالى، في السيّئة نُظِر إلى تقديم الإنسان لهذه الخطوات وفي الحسنة نُظِر إلى النتيجة أنه لا تكون إلا بأمر الله سبحانه وتعالى. (وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ (78) النساء) لأن النتائج النهائية من الله سبحانه وتعالى لا تحدث إلا بأمره، بإذنه لكن مرة نُظِر إلى البدايات مع السيئة لأن الإنسان خطا هذه الخطوات ومرة نُظِر إلى النهاية. إذن هذا القسم بعزة الله سبحانه وتعالى، أحياناً يقول لك شخص: "والذي رفع السماء بغير عمد" يعني هناك شيء مستحيل في نظرك لكنه ممكن في فعل الله سبحانه وتعالى فإذن هذا الذي أقسم عليه من المستحيل أن يكون يعني لما يريد أن يبيّن الإحالة يُقسِم. ذكرنا حديثاً في المرة السابقة عن إمشاء الناس على وجوههم، أليس الذي أمشاهم على أرجلهم بقادر على أن يمشيهم على وجوههم؟ فقال قتادة: "بلى وعزّة ربنا" لأنها نحتاج إلى قوة. في مجال القوة وطلب القوة القسم يكون بعزة الله سبحانه وتعالى مع أن لفظ ﴿الله﴾ يصلح لكل الأنواع. والله سبحانه تعالى في الحديث القدسي استعمل " وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين" لأن فيها معنى القوة. لما يكون الأمر بحاجة إلى بيان القوة والسلطان يقسم بالعزّة.. إبليس يؤمن بعزة الله سبحانه وتعالى وقد خدم في حظيرة الله سبحانه وتعالى وكان من المشتغلين في قضايا الأرض مع ملائكة الأرض. لما الباري عز وجل عرض على الملائكة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) البقرة) لأنهم مشتغلون في الأرض، مهمتهم في الأرض فعرض عليهم، لا يعقل أنه عرض على كل ملائكة السماء والكون وإنما على فئة لها شغل بهذا المخلوق الجديد وبمكانه فإبليس كان من ضمن هؤلاء ليس ملكاً لكن من ضمن الذين لهم شغل لذلك كُلّف مباشرة (ما منعك أن تسجد إذ أمرتك) أُمِر مباشرة بالسجود. المخلَصين: الذي أُخلِصت نيته وفعله لله سبحانه وتعالى وأُخلِص من الآثام ومن كيد الشيطان، أخلَصه الله سبحانه وتعالى. من الفعل أخلَص يخلِص فلما نريد الفاعل نكسر ما قبل الآخر ﴿مخلِص﴾ ولما نريد المفعول نفتح ما قبل الآخر فنقول ﴿مخلَص﴾.

ﵟ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﵞ سورة ص - 82


Icon