الوقفات التدبرية

*ختمت الآية (وَ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فما دلالة تقديم...

*ختمت الآية (وَ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فما دلالة تقديم العمل على الخبرة الإلهية؟ هنالك قاعدة استنبطت مما ورد في القرآن الكريم: إذا كان السياق في عمل الإنسان قدم عمله ﴿والله بما تعملون خبير﴾ لو كان السياق في غير العمل أو كان في الأمور القلبية أو كان الكلام على الله سبحانه وتعالى قدّم صفة الله خبير ﴿خبير بما تعملون﴾. مثال: (إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) البقرة) هذا عمل، لما ذكر عمل الإنسان قدّم عمله ﴿بما تعملون خبير﴾، (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) الحديد) هذا عمل، قتال وإنفاق ختمها ﴿والله بما تعملون خبير﴾ لما ذكر عمل الإنسان قدّم عمله. (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) البقرة) هذا عمل فقدّم ﴿والله بما تعملون خبير﴾. (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) التغابن) هذا عمل أيضاً. (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88) النمل) هذا ليس عمل الإنسان فقدّم الخبرة على العمل وقال خبير بما تفعلون. أو لما يكون الأمر قلبياً غير ظاهر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) الحشر) فهذا على العموم أنه إذا كان الأمر في عمل الإنسان قدم العمل وإذا كان في غير عمل الإنسان أو في الأمور القلبية أو عن الكلام عن الله سبحانه وتعالى يقدم خبير. العرب كان تعي هذه المعاني والقواعد من حيث البلاغة، البليغ هو الذي يراعي، هذه أمور بلاغية فوق قصد الإفهام يتفنن في صوغ العبارة ومراعاة البلاغة. على سبيل المثال عندما تضيف إلى ياء المتكلم (هذا كتابي، أستاذي، قلمي) بدون نون، بالنسبة للفعل تقول أعطاني، أضاف نون الوقاية، عموم الكلمات نأتي بنون الوقاية مع الفعل مثل ضربني وظلمني أما مع الإسم فلا تأتي هذه قاعدة وعموم الناس يتكلمون بها دون أن يفطنوا إلى أن هذا إسم وهذا فعل، الناس يقولونها وهي قواعد أخذوها على السليقة. الناس يتفاوتون في البلاغة العرب كلهم كانوا يتكلمون كلاماً فصيحاً من حيث صحة الكلام ولذلك يؤخذ من كلام المجانين عندهم لأن المجانين يتكلمون بلغة قومهم ويستشهدون بأشعار المجانين لأن كلامهم يجري على نسق اللغة أما البلاغة فمتفاوتة ويقول : أنا أفصح من نطق بالضاد. صحة الكلام كل واحد يتكلم على لغة قومه أما من ناحية البلاغة فهناك تفاوت. الله تعالى تحداهم في البلاغة وفي طريقة النظم والتعبير وتحداهم بأن يأتوا بسورة والسورة تشمل قصار السور مثل العصر والكوثر سورة، الإخلاص سورة قبل التشريع وهناك إعجاز كثير في القرآن في الإخبار عن المغيبات والمستقبل وعندما تحداهم الله تعالى تحداهم بسورة ليس فيها تشريع وليس فيها إخبار عن الغائب أو عن الماضي. هذا في العلم والبصر وليس في العِلم والخبرة والعمل فقط وهذا خط عام في القرآن.

ﵟ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﵞ سورة البقرة - 234


Icon