الوقفات التدبرية

آية(40): *ما الفرق بين (وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ) و (وَكَانَتِ...

آية(40): *ما الفرق بين ﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾ و ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾؟ سيدنا زكريا قال (لَا تَذَرْنِي فَرْدًا ﴿89﴾ الأنبياء) لما الله قال بشرناه بيحيى ومريم بشروها بعيسى زكريا قال (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴿40﴾ آل عمران) هذا سيدنا زكريا، في مكان آخر قال (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ﴿8﴾ مريم). لماذا في الآية الأولى ﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾, واو حال امرأتي مبتدأ الياء مضاف إليه عاقر خبر ﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾. في الآية الثانية أدخل ﴿كان﴾ ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾. سيدنا زكريا ماذا قال بالضبط؟ أي واحدة منهما؟ وحدة مبتدأ وخبر والأخرى كان واسمها وخبرها ولكل واحدة معنى. ﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾ الآن ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾ بالماضي ما الذي قاله سيدنا زكريا؟ في الحقيقة نحن كلنا نتصور أن كل هذا جرى بنفس الزمان والمكان لا طبعاً رب العالمين لما قال لسيدنا موسى (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴿88﴾ يونس) ماذا قال له الله؟ (قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا ﴿89﴾ يونس) أنت وهارون طبعاً الذي كان يدعو موسى هارون كان يقول آمين ولهذا المؤمِّن والداعي سواء قال ﴿قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا﴾ متى؟ يعني رأساً رب العالمين طمس على فرعون؟ لا بل بعد 40 سنة. حينئذٍ عندما تأتي آية أخرى تتحدث عن موضوع آخر نفس الآية فيها اختلاف تتكلم عن ساعة نزول العذاب بعد أربعين سنة. حينئذٍ نقول اختلاف العبارتين تُفهم القارئ المسلم أن سيدنا زكريا وقف مع ربه عن طريق الملائكة في حالتين: الحال عندما بشروه عندما رأى السيدة العذراء يأتيها رزقها رغداً ولا يعلم من أين (أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿37﴾ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴿38﴾ آل عمران) ﴿هُنَالِكَ﴾ هنالك زمان ومكان ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ أعطيني ولد، بشروه قال (أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ﴿39﴾ آل عمران) هذه البشارة، متى صار التنفيذ؟ كما يقول الرازي وغيره بعد ستين سنة صار الحمل من أجل هذا رب العالمين سبحانه وتعالى بهذه العبارتين المختلفتين ﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾ ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾ يحدثك وعليك أن تبحث وأنت العربي أو أنت متعلم العربية وكل مسلم لا بد أن يتعلمها كما يقول الإمام المودودي (تعلُّم العربية فرضٌ كالصلاة والصوم). إذاً هذه في وقتين مختلفين ﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾ ساعة ما بشر بيحيى ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾ عندما حملت قال يا ربي أنى يكون لي ولد وهذه المرأة حامل وهي عاقر! مرة قال له ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ ومرة قال (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ﴿9﴾ مريم). ﴿كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ كلمة فعل غير عمل وغير خلق. فعل جزء من العمل يعني أنا أعمل سائق هنالك سائق قطار وسائق طائرة وسائق سيارة وتاكسي ولوري إذاً فِعلك أن تسوق الشيء الفلاني فالفعل جزء العمل. فرب العالمين لما يعمل عمل هذا الكون كله لما أصلح امرأة فيها خلل، أنت لاحظ حتى لا نسبق الأحداث لما السيدة العذراء نفس السؤال قالت (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ﴿47﴾ آل عمران) ما الفرق؟ لأن هذه العاقر وهنالك عقيم وعاقر العاقر فيها خلل يعني تذهب للطبيب ويعالجها كما يحصل الآن كثير من الناس مدة سنة سنتين ثلاث أربع خمس عشرة لا تنجب تسمى عاقر ثم يصف لها الطبيب دواء فتنجب هذه عاقر فيها خلل أصلحوه. أما العقيم لا لو تأتي بكل أطباء العالم لا فائدة (أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ﴿41﴾ الذاريات) ما فيها أبداً خير فلما كانت عاقر قال (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴿90﴾ الأنبياء) في خلل أصلحناه هذا فِعل. سيدنا عيسى بدون زوج خلقه كخلق آدم (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ﴿59﴾ آل عمران). إذاً الفرق بين ﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾ وآية أخرى ﴿وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا﴾ أن الله سبحانه وتعالى لما بشره بالبداية قال له كيف وأنا امرأتي عاقر؟ ﴿قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ سنصلح لك هذا الخلل في امرأتك الله قال (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴿90﴾ الأنبياء) ولهذا العقر يزول بالدعاء كما هي هذه الآية. طبعاً الدعاء من الصالحين غير الدعاء من غيرهم فهو دعاء مصحوب بالعمل، هذا الفرق. إذاً كما هي العادة أن كل اختلاف في الجملة بأي شكل لا بد وأن يكون تحته معنىً آخر من حيث أن هذا القرآن الكريم من إعجازه أن الله أرسله للبشرية كافة على اختلاف أفكارهم وحضارتهم وثقافتهم وعلى اختلاف الأجيال إلى يوم القيامة من حيث أن الكلمة الواحدة معبأة بمعانٍ كما معبأة الأرض الكرة الأرضية هذه معبأة بكنوز ومعادن لا حصر لها كل جيل يجد فيها معدناً نفيساً يجعل الأرض تتطور إلى حدٍ كبير. سابقاً كان في أنواع من الكنوز والمياه والزراعة وما شاكل ذلك ثم جاء الغاز ثم البترول ثم الفوسفات ثم الذهب ثم الآن الزئبق الأحمر وهذا شيء جديد ويا عليم ما الذي سيظهر في المستقبل؟ كما أن الأرض لا تنتهي كنوزها فإن الكلمة القرآنية لا تنقضي عجائبها وإذا قرأت القرآن الكريم ورأيت كلاماً آخر لا تعجب فهذا معنى إضافي. قلنا القاعدة أن كل جيل عليه أن يُؤوّل هذا القرآن الكريم على وفق عقليته ومعرفته وحضارته واكتشافات زمانه ولا يكون أسيراً للجيل الذي قبله نعم كل الأجيال تتلمذ على الذي قبلها إلا هذا القرآن كل جيل السابق يتتلمذ على الذي بعده من حيث أن الذي بعده اكتشافاته وآفاقه وثقافته اتسعت. ولهذا لو عاد الصحابة الكرام اليوم لسألونا ماذا وجدتم في هذا القرآن الكريم من معاني جديدة؟ ولو قلنا لهم نحن بقينا على ما قلتم ليئسوا منا ربما شتمونا وحاشاهم أن يفعلوا ذلك لكن وقالوا كيف تصلّون؟ قلنا والله على وفق ما أمرتمونا أنتم وما نقلتوه عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات يعني حرام وحلال افعل ولا تفعل هذا هو الذي نقله الصحابة لنا وهم حجة علينا. المتشابه نحن حجة عليهم من أجل هذا عليك أن تفترض أنك تؤول القرآن في المتشابه لأول مرة ولا تلتفت إلى من قبلك أبداً لأنك أنت سيد الموقف من حيث أن ما تركوه تراث في المتشابه تراث فيه كلام. الآن نبتسم شفقة بهم نقول رحمكم الله هكذا كانت مفاهيم عصركم فالإنسان والمياه والحياة والكون والسموات والكرة الأرضية كلام بسيط على قدر زمانهم وزمانهم كان عظيماً لكن الآن طبعاً كلام نبتسم إشفاقاً واحتراماً لهم لكن نحن أصحاب الباع ونحن سنكون للذين سوف يأتون بعدنا بمائة عام كما هم أجدادنا بالنسبة لنا أيضاً سيضحكون علينا وعلى تفاسيرنا. إذاً هذا القرآن الكلمة في المتشابه لا تنقضي عجائبها فلا يضيقن صدرك إذا سمعت تأويلين من شخصين لآية واحدة تحتمل مائة تأويل وتأويل وكلها تضاف وهذا معنى لا تنقضي عجائبه هذا جزء من المعنى ومعانيه الأخرى كثيرة هذا عن زكريا. مرة أخرى عن سيدنا زكريا قال (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً ﴿10﴾ مريم) طبعاً نحن لم نتكلم عن العقر فالعقر يا جماعة من العبادات العظيمة ما ابتلى الله عبداً مؤمناً بالله إلا وهو يريد أن ينجيه (إذا أحب الله عبداً ابتلاه) نحن نعلم أن العقر كالعقم يسبب للأم للمرأة ولزوجها آلاماً كثيرة لو يعلم كل من ابتلي بهذا الداء وحرمه الله من الذرية أن هذا الداء خيرٌ له من أن يجاهد بالدنيا كلها وأن يقضي عمره ساجداً وأن ينفق كنوز الدنيا كلها. ما من عملٍ أرجى له يوم القيامة من هذا الهم الذي أصابه بهذا البلاء الذي ابتلاه الله به (إن العبد لتسبق له المنزلة عند الله فلا يبلغها بعمل) فلان الفلاني الله قال اجعلوه في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء وهو رجل على قد حاله فعمله هذا لا يوصله (إن العبد لتسبق له المنزلة عند الله فلا يبلغها بعمل فيسلط الله عليه الهمّ) الهمّ همّ المرض همّ العيال همّ الظلم إذا كان مظلوماً والهموم في الدنيا كثيرة ولكن لا شك كل همّ يفرج همّ سنة سنتين ثلاث ويذهب يمكن أسبوع يمكن شهر يكفر ذنوبك وتمشي ويمكن يوم كقصة هذا الذي معه حذاءه أو معه بضاعة وتركها تحت إبطه وظل يتكلم ثم هو تصور أنه تركها في حجره ولما نظر إلى حجره ولم يجد شيئاً فزع وقال أين أشيائي حتى نبهوه أنها تحت إبطه يعني ثانية يقول فيغفر الله له بهذه الفزعة فزع لمدة ثانية ثانيتين غفر الله له انظر إلى رحمة رب العالمين، فما بالك بهم عشرين ثلاثين أربعين سنةّ كلنا رأينا أناس ابتلاهم الله بعقم أو عقر مهمومين إذا جاءهم ضيف عنده أطفال ينقهرون زوجته تعبانه تخاف من أن يطلقها هو تعبان ليس لديه أولاد ولا ذرية هذا الهمّ يرفعه يوم القيامة إلى مصافّ النبيين هناك ناس قاتلوا وناس تقطعت أوصالهم وناس تصلي ليل نهار وهناك ناس علماء أفاضل وحكام عادلين عانوا الأمرين مع شعوبهم بالعدل كل هؤلاء لا يوازون عاقراً أو عقيماً ﴿وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ﴾ تلاحظ حينئذٍ فلا تبتئس. الدنيا فانية كما ترى والله الدنيا فانية.

ﵟ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ۖ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﵞ سورة آل عمران - 40


Icon