الوقفات التدبرية

* ما اللمسة البيانية في قوله تعالى (قرضاً حسناً) ؟ قسم ذهب إلى أن...

* ما اللمسة البيانية في قوله تعالى ﴿قرضاً حسناً﴾ ؟ قسم ذهب إلى أن الصدقة غير القرض. قسم قال القرض هو تطوع والصدقة في الواجب. ربنا تعالى سمّى الزكاة صدقة لكن هي ليست مقصورة على الزكاة وإنما هي عبادة عامة ﴿المال﴾ ومنها الزكاة لكن قسم من الصدقة هو فروض كصدقة الفطر وبعض الصدقات كالكفارات هذه فروض والزكاة فرض. فقسم قال الإقراض المذكور هو من باب التطوع ولا يدخل في باب الفروض. المصدّقين قد يدخل فيها الفرض. وقسم قال القرض هو أعمّ من الصدقة يدخل في الفروض وغير الفروض. فإذا كان الأمر كذلك فهو من باب عطف العام على الخاص إذا كان القرض هو أعم من الصدقة (ما كان تطوعاً وغير تطوع) أي الصدقة في عمومها يصير أعم من الصدقة فعند ذلك إذا كان الأمر كذلك أي إذا كان القرض عموم الصدقة فتكون أعم من الصدقة فيكون من باب عطف العام على الخاص. وقسم يقول لا هي تطوع الصدقة هي في الفروض والقرض هو في التطوع والذي يبدو لي - والله أعلم- أن القرض في التطوع ويختلف عن الصدقة بدليل أنه فيما أظن أن القرض هو في صدقة التطوع نلاحظ أن القرآن الكريم يذكر القرض الحسن بعد الزكاة في مواطن وقد يأمر به بعد الأمر بالزكاة كما في قوله (لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا (12) المائدة) ذكر الزكاة ثم ذكر القرض الحسن، الزكاة فرض فقال بعدها ﴿وأقرضتم الله﴾. وفي آية أخرى قال تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا (20) المزمل) هذا أمر. يبدو لي أنه لما عطفها على الزكاة والزكاة فرض صار القرض من باب التطوع، من باب المندوبات وليس كل المندوبات فروض لكن علمنا أن الزكاة فرض وعطفها على الزكاة فلا يأخذ نفس الحكم لأنه ليس بالضرورة أن يأخذ المعطوف نفس الحكم خاصة في المندوبات فقد يكون عطف مندوب على فرض. ثم تسميته ﴿قرض﴾ المُقرِض ليس ملزماً بالإقراض. القرض في اللغة إعطاء مال تحديداً. القرض إعطاء مال ويتوقع إسترداده أما الزكاة فلا تُردّ. لما قال المصدقين والمصدقات الصدقة لا تُردّ، المقرِض عندما يُقرِض شخصاً المفروض أن يرد عليه قرضه. لذلك لما قال تعالى ﴿من ذا الذي يقرض الله﴾ رب العالمين سيرده عليه بأضعاف كثيرة ﴿فيضاعفه له﴾. تسميته قرضاً المقرِض ليس ملزماً بالإقراض إذا أردت الاقتراض من أحد فهو ليس ملزماً بإقراضك فلما قال ربنا ﴿قرض﴾ معناه أنه ليس ملزماً، معناه أنه من باب التطوع. وبخلاف التصدق لأن منه ما يلزم. وقال تعالى في أكثر من موضع ﴿من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً﴾ كأنه من باب الترغيب. فتسميته قرض توحي والله أعلم بأنه ليس من باب الفروض وحتى طبيعة قوله تعالى ﴿من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً﴾ من باب الترغيب وليس من باب الإلزام. ﴿قرضاً﴾ أحد أمرين: إذا كان المقصود مال تحديداً يكون مفعولاً به وإذا كان مصدراً فيكون مفعولاً مطلقاً. ما المقصود بالقرض في ﴿قرضاً﴾؟ هل هو مال؟ إذا كان مالاً يكون ﴿قرضاً﴾ مفعولاً به (أقرضتك مالاً) وإذا كان مصدراً يعني أقرضتك إقراضاً حسناً يكون مفعولاً مطلقاً ويصير حدثاً. المصدر أقرض إقراضاً وليس قرضاً. المسألة أن قرض مصدر قَرَض وقَرَض وأقرض كلاهما بمعنى واحد ثلاثي ورباعي وأحياناً نأتي بالمصدر، نأتي بالفعل وتأتي بمصدر فعل آخر كما في قوله تعالى (وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) نوح) لم يقل إنباتاً وقال في مريم عليها السلام (وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا (37) آل عمران) المفروض أن يقال إنباتاً، لكن هذا يكون لغرض. إذا كان الفعلان بمعنى واحد قرض وأقرض أو حتى لم يكونا بمعنى واحد يكون لغرض آخر مثل قوله تعالى ﴿وتبتل إليه تبتيلا﴾ المفروض تبتّلاً. تبتيل مصدر بتّل وبتل غير تبتّل تماماً والمعنى مختلف. ليجمع المعنيين يأتي بالفعل للدلالة ويأتي بالمصدر من فعل آخر من دلالة أخرى فيجمع بينهما حتى يجمع المعنيين. فبدل أن يقول: وتبتل إليه تبتلاً وبتّل نفسك إليه تبتيلاً يقول ﴿وتبتل إليه تبتيلاً﴾ فيجمع المعنيين وهذا من أعجب الإيجاز. هذه الآية (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) المزمل) فيها أمور في غاية الغرابة في الإيجاز. في مريم قال (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا (37) آل عمران) لم يقل إنباتاً لأنه لو قال إنباتاً هو الله تعالى أنبتها فالمنبِت هو الله تعالى لم يجعل لها فضلاً لكن أنبتها فنبتت نباتاً حسناً جعل لها من معدنها الكريم قبول هذا النبات وأنبتها فنبتت نباتاً حسناً أي طاوعت هذا الإنبات فجعل لها قبول، فجعل لها فضل في معدنها الكريم. بينما لو قال إنباتاً لم يجعل لها فضلاً رب العالمين أنبتها يفعل ما يشاء، لكن نباتاً جعل لها فضلاً، هي نبتت وجهل لها فضلاً فنبتت نباتاً حسناً فجعل لها في معدنها قبول لهذا النبات فنبتت نباتاً حسناً.

ﵟ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﵞ سورة البقرة - 245


Icon