الوقفات التدبرية

آية (79): * فماذا نفهم من قوله (ولكن كونوا ربانيين)؟ (ورتل القرآن...

آية (79): * فماذا نفهم من قوله ﴿ولكن كونوا ربانيين﴾؟ ﴿ورتل القرآن ترتيلاً﴾ قال تعالى (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) آل عمران) لو تأملت في هذه الآية المحكمة السبك لوجدت نفسك تغوص في عجائب فصاحة القرآن الكريم وقوة نظمه. انظر كيف يختار القرآن ألفاظه ليرقى إلى أعظم المعاني التي تعجز عنها ألسنة البشر إذ كان بمقدوره أن يتمم هذه الآية من جنس الجزء السابق فيقول" ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا عباداً لله. فماذا نفهم من قوله ﴿ولكن كونوا ربانيين﴾؟ إن الربّاني هو المنسوب إلى الربّ وما ذاك إلا لمزيد اختصاص المنسوب بالمنسوب إليه ليكون المعنى على أقوى ما يكون أي أن يكونوا مخلصين لله تعالى دون غيره. *فى سورة آل عمران مرة قال (ربانيون) ومرة قال ﴿ربيون﴾ فما الفرق بينهما؟(د.أحمد الكبيسى) مرة قال تعالى (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) آل عمران) ومرة قال (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) آل عمران) ما الفرق بين ربانيون وربيون؟ الغريب أن بعض المفسرين يراهما بمعنى واحد وليس الأمر كذلك. الربانيون نسبة إلى الرب العالم المتأله يعني الذي يختص بذات الله وصفاته والتعلق به وبحبه الذي يسمونه بالمسيحية اللاهوت وفي الإسلام يسمونه العارف بالله، كل من يختص بمعرفة الله عز وجل يسمى رباني، يقال ربيّ لكنها من باب المبالغة بالشئء يضاف الألف والنون. يعني واحد لديه لحية طويلة يقال عنه لحييّ قالوا لا اللحياني، اللحياني عالم من علماء الأمة لو كانت لحيته طويلة وهذا ليس محبباً يقول الحكماء من حمق الرجل طول لحيته، الرسول  يقول يقبض قبضة أما أن تنزل إلى السرة فهذا من الحمق. فبعض الناس لما يعرف بطول لحيته يسمونه اللحياني لكن هناك أناس اللحية طويلة جداً يسموه اللحياني يضاف إليها الألف والنون للمبالغة. الإمام الرقباني عالم من علماء اللغة كانت رقبته غليظة جداً فكانوا يقولون عنه الرقبي لكن لأنها جداً غليظة قالوا الرقباني. الرباني كل مؤمن بالله يتفكر بالله عز وجل يرجو رحمة ربه، يسبح، يخاف ربه، يذكر الله عز وجل يرجو رحمة ربه، هذا ربيّ لكن هناك واحد متخصص العالِم بالله من العلم ما هو مكنون لا يعرفه إلا العارفون بالله وحينئذ أصحاب الفهم الخاص كما كان سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. قال عليّ الناس ثلاثة عالم رباني ومتعلِّم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق. ولما مات عبد الله بن عباس قال محمد بن علي بن الحنفية رضي الله عنه قال اليوم مات ربانيّ هذه الأمة. فكل من هو متخصص بعلم الله ومعرفة الله عز وجل وعشقه في الله وقد رأينا في حياتنا واحد عاشق لله إذا ذُكر الله صُعق هذا رباني للمبالغة أما إذا كنا نحب الله فنحن ربيون. (بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) آل عمران) وفي قراءة بما كنتم تدرّسون. ولهذا تعريف الرباني قيل هو العالم الراسخ في العلم والدين أو العالِم العامل المعلم أو العالي الدرجة في العلم. هذا الرباني، الربيون وهذه كلمة فصيحة لا ينطقها إلا شعب الإمارات حسب علمي. حينئذ الربيون العلماء بالأجناس والسياسة هؤلاء أركان الدولة ﴿رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ ناس عندهم خبرة بالسياسة والاجتماع والاقتصاد وسياسة الأمة يعني الملأ الأعلى الذي يدير الدولة هؤلاء إذا قاتلوا مع نبيهم أو مع رئيسهم أو مع ملكهم أو مع شيخهم النصر حليفهم لأنهم مستشارون كما استشار النبي  أصحابه في كل شيء (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ (159) آل عمران) حتى لو أدرك أن مشورتهم خطأ كما فعل في أُحد شاورهم فأعطوه رأياً هو خطأ لكنه قال ما دام أنتم متفقون عليه وفعلاً انكسروا كما تعرفون والنبي اشار عليهم مشورة أخرى. إذن الربيون كالعلماء الربانيون من حيث العمق والرسوخ في العلم لكن الربانيون في علوم الآخرة والربيون خبراء علوم الدنيا والسياسة وإدارة المال والشعوب (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) آل عمران) إذن الربيون قريب من الربانيين لكن الربانيون درّبهم شيخ على معرفة الله والربيون علماء درّبهم آباؤهم على أن يكونوا من الهيئة الحاكمة القائدة عسكرياً وسياسياً وحرباً وسلماً هؤلاء هو الربيون.

ﵟ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﵞ سورة آل عمران - 79


Icon