الوقفات التدبرية

* ورتل القرآن ترتيلاً : (إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن...

* ورتل القرآن ترتيلاً : (إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ (4)) إذا نظرت إلى الأفعال ﴿نشأ﴾ ﴿ننزّل﴾ و ﴿فظلّت﴾ ترى أن الله تعالى عبّر عن المشيئة والتنزيل بالمضارع فقال ﴿إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ﴾ بينما جاء العطف على ﴿نُنَزِّلْ﴾ بالماضي حيث قال ﴿فَظَلَّتْ﴾ ولم يقل "فتظل" فهل من خصوصية لهذا الاختلاف؟ هذا العطف المغاير بين المضارع ﴿نُنَزِّلْ﴾ والماضي ﴿فَظَلَّتْ﴾ فيه من البلاغة والاعجاز ما يعجز عنه البيان البشري. فالفعل الماضي ﴿ظلّت﴾ نقلك من مستقبل نزول هذه الآية من السماء إلى ما مضى وكأن الآية قد نزلت ووقع خضوع المشركين لها. وفي هذا تهديد وتهويل لهم لتفزع قلوبهم ويعودوا إلى رشدهم. وقريب من هذ المجال ولكن للتشويق والترغيب قول المؤذّن "قد قامت الصلاة" مع أن الصلاة لم تبدأ بعد ولكن إقامة الصلاة نزلت منزلة ما مضى لأهميتها وعظمتها في القلوب. * ورتل القرآن ترتيلاً : (وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5)) تقدّم مثيل هذه الآية في سورة الأنبياء مع اختلاف طفيف. قال ربنا سبحانه وتعالى هناك (مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)) فقال ﴿من ربهم﴾ بينما قال هنا في آية الشعراء ﴿من الرحمن﴾. فهل من خصوصية وراء ذكر ﴿الرحمن﴾ في الشعراء دون كلمة ﴿ربهم﴾؟ خصّ ربنا صفة الرحمن في آية الشعراء فقال ﴿مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ﴾ دون وصف الرب كما في آية الأنبياء ﴿مَّن رَّبِّهِم﴾ لأن السياق في الشعراء كان لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم عن إعراض قومه. فكان في وصف الرحمن تشنيع لحال المعرضين وتعريض بغباوتهم بأن أعرضوا عما هو رحمة لهم. فإذا كانوا لا يُدركون صلاحهم فلا تذهب نفسك يا محمد حسرات عليهم. فهم قوم أضاعوا نفعهم بعد أن أرشدتهم إليه وذكّرتهم به. كما قيل في المثل "لا يُحزِنك دمٌ هراقه أهله". (وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (5)) انظر إلى هذا الوصف الرباني ف يتبيان إعراض المشركين حيث قال تعالى ﴿إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ ليبيّن سبحانه أن إعراضهم راسخ فيهم وأنه قديم مستمر. فإذا ما أتاهم ذِكرُ بعد الذِكر الذي لم يؤمنوا به وجدتهم على إعراضهم القديم. وهذا المعنى لا يفيده غير هذا التعبير ﴿إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ ولذلك آثره دون غيره كأن يقول "إلا أعرضوا عنه". * ورتل القرآن ترتيلاً : (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (6)) في هذه الآية عبّر الله سبحانه وتعالى عن استهزاء المشركين بالفعل المضارع فقال ﴿يَسْتَهْزِئُون﴾ دون الإسم مستهزئين. بينما قال في إعراضهم ﴿إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ فعبّر عن الإعراض بالإسم. ذلك لأن الاستهزاء يتجدد عند تجدد وعيدهم بالعذاب. وهذا ناسبه الفعل المضارع الذي يدل على التجدد. وأما الإعراض فمتمكنٌ فيهم وهذا يناسبه ﴿مُعْرِضِينَ﴾ الذي يدل على الرسوخ والاستمرار .

ﵟ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ﵞ سورة الشعراء - 4


Icon