الوقفات التدبرية

ما حكم (ما) في هذه الآية؟ هناك احتمالان لمعنى (ما): الاول أن (ما) اسم...

ما حكم ﴿ما﴾ في هذه الآية؟ هناك احتمالان لمعنى ﴿ما﴾: الاول أن ﴿ما﴾ اسم موصول بمعنى الذي. ويعتقد الكثيرون ان ﴿ما﴾ تستخدم لغير العاقل فيقولون ﴿ما﴾ لغير العاقل و﴿من﴾ للعاقل ولكن الحقيقة أن ما تستعمل لذات غير العاقل كما في قوله: (يأكل مما تأكلون منه ويشر مما تشربون) ولصفات العقلاء كما في قوله: ﴿فانكحوا ما طاب لكم من النساء﴾ ﴿ونفس وما سواها﴾ ويؤتى بها في التفخيم والتعظيم في صفات العقلاء، ولذلك قال تعالى ﴿وما خلق الذكر والانثى﴾ ويعني به ذاته العلية.  ويحتمل ان تكون مصدرية بمعنى (وخلق الذكر والانثى)اي أنه سبحانه يقسم بخلق الذكر والانثى وليس بالخالق. وعليه فإن ﴿ما﴾ تحتمل أمرين إما ان الله عز وجل يقسم بذاته او أنه يقسم بفعله الذي هو خلق الذكر والانثى. فلو أراد تعالى أن ينص على أحد المعنيين لجاء بذلك ولقال سبحانه (والذي خلق الذكر والانثى) وتأتي ما بمعنى اسم موصول كما سبق أو قال سبحانه (وخلق الذكر والانثى) لتعطي معنى القسم بالفعل الذي هو خلق الذكر والانثى، ولكن الصورة التي جاءت عليها الآية تفيد التوسع في المعنى فهي تفيد المعنيين السابقين معاً وكلاهما صحيح. فيبقى مجال الترجيح في المجيء هنا بـ ﴿ما﴾ والاحتمال هو مقصود لإرادة ان يحتمل التعبير المعنيين الخلق والخالق، كلاهما مما يصح أن يقسم به خلقه والخالق وربنا سبحانه يقسم بخلقه ويقسم بذاته. و لو أردنا ان نرجح لقلنا أن القسم هنا القسم بالخالق والله أعلم . ﴿وما خلق الذكر والانثى﴾ لم يقسم بالمخلوق وإنما اقسم بالمصدر (أي خالق الذكر والانثى) أما الليل والنهار فهما مخلوقان فإذا اردنا المخلوق نؤل المصدر بالمفعول أحياناً فيصبح تأويل بعد تأويل أحياناً يطلق على المصدر ويطلق على الذات مثال: ﴿هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه﴾ أحياناً يراد بالمصدر الذات. والخلق ليس مثل الليل والنهار.  مثال: زرعت زرعاً في اللغة العربية زرعاً هي المصدر وأحياناً يضع العرب المصدر موضع الذات كقوله (نخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم) فالزرع هنا اصبح الذات واليس المصدر. سؤال: يقول السيد مصطفى ناصف في السياق اللغوي ان السياق هو الحقيقة الاولى والكلمة خارج السياق لا تفي بشيء وفائدة السياق اللغوي انه يحول معنى الكلمة من التعدد والاحتمال الى التحديد والتعيين. فلماذا لم يحدد ربنا في هذه الآية معنى ﴿ما﴾ ولم يترك المعنى هكذا بدون تحديد؟ جواب: هناك مبدأ عام في اللغة العربية: الجمل في اللغة على نوعين: ذات دلالة محددة معينة قطعية (أحل الله البيع وحرم الربا) ذات دلالة احتمالية (اشتريت قدح ماء) هنا تدل الجملة على احد امرين: إما ان اكون اشتريت القدح وإما ان اكون اشتريت ماء بقدر قدح. فإذا قلنا (اشتريت قدحاً ماءً) دلت الجملة على معنى واحد قطعي اني اشتريت الماء قطعاً ولا يحتمل ان تكون اشتريت القدح بتاتاً ومثال ذلك ايضاً لا النافية للجنس فهي قطعية كقولنا: لا رجل حاضر، فإذا قلنا: لا رجلاً حاضراً تحتمل الجملة إما نفي الجنس ﴿الرجال﴾ او نفي الوحدة (ولا حتى رجل واحد حاضر) وفي تحديدنا لهذه المعاني للجمل يجب مراعاة ما يريد المتكلم البليغ هل يريد الاحتمال او القطع.فالذي يريد الاحتمال له غرض من ارادة الاحتمال والذي يريد القطع له غرض من ارادة القطع وهنا تتفاوت البلاغة فالمتكلم البليغ يختار الجملة التي تؤدي المعنى الذي يريده. فالسياق لا يمكن ان يؤدي الى بيان المقصود لأن المقصود قد يكون هو الاحتمال بحد ذاته في القرآن يحذف حرف الجر وقد يكون هناك اربع احتمالات ومع هذا حذف الحرف لأن هذا ما أراده الله تعالى .

ﵟ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ ﵞ سورة الليل - 3


Icon