الوقفات التدبرية

(اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ...

(اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)) *نظرة عامة على الآية وارتباطها بما قبلها وما بعدها: أمرنا ربنا أن نعلم هذا الأمر وهو أن الله تعالى هو الذي يحيي الأرض بعد موتها فما كانت لتحيا لولا أن الله يحييها، لا تحيا من الماء بنفسها ولا أن هنالك ذاتاً معه أو بدونه قادرة أن تحيي وإنما هو الذي يحيي الأرض وأراد أن نعلم هذا الأمر فقال ﴿اعلموا﴾. الارتباط بما قبلها ظاهر من جهتين: أولاً في الآية قبلها قال تعالى (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) فهو تمثيل لأثر الذكر والقرآن في القلوب وأنه يحييها كما يحيي الغيث الأرض. أثر الذكر والقرآن في القلوب يحييها كما يحيي الغيث الأرض. الله تعالى يحيي الأرض بالغيث والذكر والقرآن يحيي القلوب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ (24) الأنفال) هذه حياة. إذن أثر الذكر الذي أمرنا به (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق) هذا الذكر يحيي كما تحيا الأرض بالغيث فالذكر يحيي القلوب من موتها كما يحيي الله الأرض من موتها، هذا أمر. والأمر الآخر أن فيها دلالة على بعث الأموات وقد ذكر قبلها مشهداً من مشاهد الآخرة ﴿فضرب بينهم بسور له باب﴾ ويذكر لنا في القرآن حياة الأرض للتمثيل بحياة الآخرة فينتقل منها إلى الآخرة ﴿كذلك يحيي الله الموتى﴾. إذن من جهتين من جهة أن الله سبحانه وتعالى كما يحيي الأرض بعد موتها يحيي القلوب بذكر الله وما نزل من القرآن، هذا أمر ومن ناحية أخرى دليل أو تشبه كيف يحيي الله الموتى وذكر مشهداً من مشاهد الآخرة هذا أيضاً تدل على أن الله سبحانه وتعالى سيحيي الموتى كما يحيي الأرض، يحيي الموتى في الآخرة كما يحيي الأرض. *قال تعالى ﴿يحيي الأرض بعد موتها﴾ أليس هذا مظنة والعياذ بالله لأي شك أن الذي يميت هو غير الله تعالى؟ قال يحيي بعد موتها ولم يقل بعد إماتتها. يقال مات فلان وأماته أي شخص آخر يميته. قال تعالى (وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) النجم) (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ (28) البقرة) أنت تقول مات الإنسان. يميتكم من أمات، عندنا مات يموت وعندنا أمات يميت. هناك فرق بين الموت والإماتة. الموت من تلقاء نفسه، أماته أي الله سبحانه وتعالى أماته. مات وأمات فعلان أحدهما لازم والآخر متعدي. لو قال يحيي الأرض بعد إماتتها يكون للسؤال وجاهة لكنه قال بعد موتها. إرتباطها بما بعدها ﴿إن المصدقين والمصدقات﴾ شأن الأرض التي تحيا بالغيث تضاعف ما فيها (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) البقرة) والمصدقين والمصدقات أيضاً يضاعف لهم كما أن الأرض بعد موتها تضاعف ما يخرج من الغلّة كذلك الصدقة تضاعف الأجور (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ) المنفق والمقرِض يضاعف له كما أن الأرض تضاعف. إذا أحيا الله سبحانه وتعالى الأرض بعد موتها تضاعف الحبّ وكذلك المصدقين يضاعف لهم الله تعالى الأجور. ثم ذكر الآخرة (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ (19)) أيضاً فيها دلالة على الحياة الآخرة. وسيأتي ذكر للآخرة فيما بعد. فهي ترتبط بما قبلها وبما بعدها من ناحيتين. هل إرتباطها بما قبلها أقوى؟ التذكير بقدرة الله تعالى حاصل لكن من الناحية الفنية عندما قال ﴿يضاعف لهم﴾ وهذا شأن الأرض التي تحيا بالغيث ولما ذكر المصدقين والمصدقات قال يضاعف لهم ولهم أجر كريم كما تضاعف الأرض فالمناسبة ظاهرة. والآية مدخل للآية التي بعدها

ﵟ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﵞ سورة الحديد - 17


Icon