الوقفات التدبرية

آية (1-3): (الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى...

آية (1-3): (الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ (3)) *الأحرف المقطعة في القرآن الكريم كيف نفهمها وما هي اللمسات البيانية الموجودة فيها؟ تبدأ السورة الكريمة بقوله تعالى ﴿ألم﴾ وفيما أحسب أنه حصل سؤال قديم في الأحرف المقطعة عموماً وذكرنا ما ذكرنا فيها وما قيل فيها في القديم لا يمكن أن أزيد عليه لكن أذكر بعض الأمور التي ذكرها القدماء: قيل في عموم هذه الأحرف قسم منهم قال المقصود شد انتباه السامع إلى ما يلي بعد هذه الأحرف لأن العرب غير معتادين أن يقولوا ألم ثم تبدأ بالكلام فعندما يقول ألم أو حم ويبدأ بالأحرف المقطعة السامع لا بد أن ينتبه ما هذا الأمر؟ ما هذا الكلام؟ ما هذا الشيء؟ فيشد انتباهه إلى ما سيقال بعدها. إذن قسم قال المقصود منها هو شد انتباه السامع لما يقال بعدها. وقسم قال هي من باب التحدي، القرآن الكريم هو مؤلف من جنس هذه الأحرف التي تتكلمون بها وهي تتألف منها لغتكم والقرآن يأتي بكلام معجز تحداكم بها وهو من المادة نفسها التي تتكلمون بها فاتوا بمثل هذا القرآن، إذن هي من باب التحدي لهم أن القرآن من جنس هذه الأحرف لكن يؤلف منه كلاماً معجزاً أنتم أيها البلغاء والفصحاء اتوا بمثل هذا الكلام. ثم القدماء نظروا في هذه الأحرف وحاولوا أيضاً أن يروا فيها إشارات وأظن الزمخشري بدأ بهذا وقال هي أربعة عشر حرفاً في تسع وعشرين سورة يعني نصف حروف المعجم موزعة على عدد حروف المعجم، الذي ذُكِر منها هو أشهر الحروف. هذه شملت نصف حروف المعجم وشملت أنصاف أنواع الحروف (مثلاً شملت نصف المهموسة، ونصف المجهورة، ونصف الشديدة، ونصف الرخوة، ونصف المُطبقة، ونصف المنفتحة، ونصف القلقلة، ونصف اللين، ونصف المستعلية، ونصف المستفلة، ونصف الذلاقة، ونصف حروف الحلق) كما جاء بنصف الأحرف جاء أيضاً بأنصاف أوصاف الحروف. وقال أن الأحرف قسم منها من حرف واحد (ص، ق) قسم من حرفين ﴿حم﴾ قسم من ثلاثة (ألم، ألر) قسم من أربعة ﴿ألمص﴾ قسم من خمسة ﴿كهيعص﴾ وهذه الكلمات العربية هي هذه أي الأبنية إما يكون من حرف واحد كقسم من الضمائر والحروف كالكاف وقسم من الحروف كهمزة الاستفهام وباء الجر وواو العطف، وقسم من حرفين مثل ذو، وقسم من ثلاث مثل الفعل الثلاثي والاسم الثلاثي وقسم من أربعة وقسم من خمسة ثم لا شيء بعد ذلك في العربية لأنه ليس هناك سداسي أصيل وإنما مزيد فهي جاءت على أصول كلمات العربية. والقدامى نظروا نظرة أخرى فقالوا مثلاً ﴿ألم﴾ لو لاحظنا ألم الهمزة حرف حلقي واللام ذلاقة من وسط اللسان والميم شفوي، كل السور التي تبدأ بألم كلها تبدأ أول الخلق، وسط الخلق، نهاية الخلق كأن بينها تناسب وبين مخارج الحروف. في لقمان تبدأ (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)) هذا الخلق الأول ثم الوسط (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ (12)) وما ذكر من إنزال الماء، ثم في الآخر (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)) الآخرة. قالوا جميع السور التي تبدأ بـ ألم هكذا. أيضاً انتبه القدامى أن هذه التي تبدأ بهذه الأحرف يكون التعبير فيها طابع هذه الأحرف يعني التي تبدأ بالصاد تكثر فيها الكلمات الصادية يعني هي تعطيك بداية فنية لما يكثر من الأحرف في هذه السورة. مثل سورة ق تردد فيها الكلمات التي فيها قاف (ق والقرآن المجيد، إذ يتلقى المتلقيان، قعيد، سائق، تشقق)، في ص ذكر الخصومات، الخصم، يختصمون، مناص، صيحة، اصبروا، صيحة، إصبر، الكلمات فيها صاد. ثم استدلوا إلى الإحصاء قالوا ضربوا مثالاً في سورة يونس تبدأ بـ ألر وفي هذه السورة تكررت الكلمات التي فيها راء كثيراً وأقرب السور إليها سورة النمل والنحل وهي أطول منها لكنها لم تتردد الراء فيها كما في يونس ففيها (فيها 220 راء) هكذا أحصوا. ثم الملاحظة أن كل السور التي تبدأ بالطاء (طه، طس، طسم) كلها تبدأ بقصة موسى أولاً، كلها بلا استثناء. سورة الشعراء والقصص وطه تبدأ أول ما تبدأ بالقصص تبدأ بقصة موسى  وقد يذكر بعدها قصصاً أخرى ففي الشعراء يذكر قصة نوح بعد قصة موسى. يبدو كما يقولون أن اللمسة البيانية إذا كان أنه هذه تشير إلى أن الحروف المذكورة أولاً تطبع طابع السورة فيكون من باب السمة التعبيرية. نحن نقول هناك سمة تعبيرية للسورة وسمة تعبيرية للسياق أي سورة تكثر فيها كلمات معينة مثل كلمة الله في سورة البقرة وكلمة الرب في سورة آل عمران والرحمن والرحمة في سورة مريم أكثر سورة في القرآن تردد فيها الرحمة والرحمن. قد تكون سمة تعبيرية. ليس هذا فقط ولكن قبل سنوات أخرج دكتور مهندس أخرج كتاباً عن المناهج الرياضية في التعبير القرآني عملها على الكمبيوتر وهو يقول أنه لاحظ أن الأحرف المذكورة في بداية السور تتناسب في السور تناسباً طبيعياً فالتي تبدأ بـ ﴿ألم﴾ يكون الألف أكثر تكراراً في السورة ثم اللام ثم الميم وليس هذا فقط وإنما نسبة الألف إلى اللام مثل نسبة اللام إلى الميم، هذه معادلة رياضية حتى أنني ناقشته وسألته هل راجعت الصحف وتكبقها عليه فقال نعم طبقتها على الصحف لكنه وجد القرآن متفرداً بها. * هل هناك علاقة بين الأحرف المقطعة في بداية السورة وبين السورة كلها؟ ففي مريم مثلاً لو وضعنا مكان كهيعص طسم هل تتغير الدلالة التعبيرية للسورة؟ هو ليست الدلالة ولكن إذا كان كما يقال تفيد السمة التعبيرية للسورة معنى ذلك أنها تتغير. ألم هي حروف متقطعة وليست كلمات وإن كان قسم من القدامى حاولوا أن يجمعوا هذه الأحرف ويستخرجوا منها جملاً ولاحظت أن كل طائفة تضع جملة تنصر بها طائفتها وقسم يقول لو جمعت الأحرف تحصل على جملة "نص حكيم قاطع له سر". سألتمونيها، اليوم تنساه، وقسم يقول يا أوس هل نمت؟ الوسمي هتّان (أي المطر ينزل)، هويت السُمان، تُجمع منها عبارات، يجمعون من الأحرف بصور مختلفة كل واحدة لها معنى. * هل كانت العرب تتكلم في لغتها العربية بالأحرف المقطعة؟ كلا ويقولون هذا لشد انتباههم لأنه غير مألوف في كلامهم، هم يسمون الأحرف. القول الفصل فيها أنها حروف لها سر من قبل الله تعالى لا نعلمه وقسم قالوا هي من المتشابه الذي لا نعلمه. قد يكون هذا الرأي ولكن هذه الملاحظات جديرة بالانتباه أيضاً. *بدأت السورة بقوله تبارك وتعالى ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ مقارنة بين بداية سورة لقمان وبداية سورة البقرة (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2))؟ أشار إلى الآيات ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ لم يشر إلى الكتاب كما في البقرة ﴿ذلك الكتاب﴾ لو لاحظنا في سورة لقمان تردد كثير من الآيات السمعية والكونية، مثلاً قال (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا (7)) الآيات الكونية (خلق السموات بغير عمد، إلقاء الرواسي وإخراج النبات) وسمّاها آيات (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)) هذه آيات كونية وتلك آيات سمعية ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا﴾ (وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)). ثم هنالك أمر وهو أن كلمة الكتاب ومشتقات الكتابة في البقرة أكثر من الآيات وفي لقمان كلمة الآيات أكثر من الكتابة. في البقرة مشتقات الكتاب والكتابة 47 مرة والآيات 21 مرة وفي لقمان ذكر الكتاب مرتين والآيات خمس مرات، هذه سمة تعبيرية أن التي بدأت بالكتاب ذكر فيها الكتاب أكثر والتي بدأ فيها بالآيات ذكر فيها الآيات أكثر. نلاحظ أيضاً أن هنالك أمر: قال في لقمان ﴿الْكِتَابِ الْحَكِيمِ﴾ في البقرة لم يصف الكتاب. ما معنى الحكيم؟ الحكيم محتمل أن يكون من الحكمة ينطق بالحكمة ذو حكمة، ومحتمل أن يكون من الحُكم أي حاكم على غيره ومهيمن عليه (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ (48) المائدة) المهيمن حاكم إذن الحكيم هنا ينطق بالحكمة حتى أنه تعالى قال (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ (34) الأحزاب) هو حكمة ينطق بالحكمة، أو الحُكم على الكتب قبله أي مهيمناً، تلك الكتب بالنسبة له منسووخة وهو الآن الحاكم ومن كان يتبع الكتب السابقة فليتبع هذا الكتاب الآن الكتاب المهيمن هو هذا الكتاب. وأيضاً يأتي فعيل بإسم المفعول مثل فعيل بمعنى مفعول، حكيم بمعنى مُحكم، حكيم من أحكم بمعنى مُحكَم. قال تعالى (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) هود) أحكمت آياته أي ليس فيها خلل. قد يكون من الحكمة أو من الحكم أو استواؤها وعدم وجود الخلل فيها وهذا من باب التوسع في المعنى. لو أراد تعالى معنى محدداً لخصّص. في سورة البقرة ما وصف الكتاب لأن السورة فيها اتجاه آخر. قال الحكيم ثم قال هدى ورحمة، وهنا قال (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة). وصفه بالحكيم هو مناسب لما ورد في لقمان من الحكمة ﴿آتينا لقمان الحكمة﴾ وذكر الحِكَم، ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ متناسب مع (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ (23) البقرة) في سورة البقرة وربنا وصف أن الله تعالى عزيز حكيم في سورة لقمان أكثر من مرة فكلمة حكيم مناسبة لجو السورة تبدأ (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ (12)) وذكر الحكمة. * ما الفرق بين قوله تعالى ﴿هدى للمتقين﴾ ﴿هدى ورحمة للمحسنين﴾ ؟ قال تعالى في سورة البقرة (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) وقال في سورة لقمان (هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3)) . زاد تعالى في سورة لقمان الرحمة واختلف بيت المتقين والمحسنين. المتّقي هو الذي يحفظ نفسه فمتقي النار هو الذي يحمي نفسه منها أما المحسن فيُحسن إلى نفسه وإلى الآخرين كما جاء في قوله تعالى ﴿وأحسن كما أحسن الله إليك﴾ و(بالوالدين إحسانا) فالإحسان فيه جانب شخصي وجانب للآخرين. إذن هناك فرق بين المتقي والمحسن ثم إن الإحسان إلى الآخرين من الرحمة فزاد تعالى في سورة لقمان الرحمة للمحسنين فكما أن المحسن أحسن للآخرين ورحمهم زاد الله تعالى له الرحمة فقال ﴿هدى ورحمة للمحسنين﴾. فالمحسن إذن زاد على المتقي فزاد الله تعالى له الرحمة والاحسان من الرحمة فزاد الله تعالى له الرحمة في الدنيا ﴿هدى ورحمة للمحسنين﴾ وفي الآخرة أيضاً ﴿للذين أحسنوا الحسنى وزيادة﴾، فكما زاد المحسنون في الدنيا زاد الله تعالى لهم الرحمة في الدنيا والآخرةزالجزاء من جنس العمل ولهذا اقتضى في آية سورة لقمان أن يقول تعالى ﴿هدى ورحمة للمحسنين﴾ ولو قال تعالى هدى للمحسنين لبخس حق المحسنين وكما نعلم إن المحسن يفضل المتّقي والإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. الإيمان أعمّ من الإحسان ولا يمكن للإنسان أن يكون متقياً حتى يكون مؤمناً وورود كلمة المتقين، المؤمنين، المحسنين والمسلمين يعود إلى سياق الآيات في كل سورة. في البقرة قال ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ ثم قال (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ (24)) اتقوا النار مقابل المتقين فإذن هناك مناسبة بين هدى للمتقين وكلمة التقوى ترددت كثيراً في البقرة. فإذن ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ متناسب مع قوله ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ والمتقين واتقوا الله. في لقمان قال هدى ورحمة للمحسنين وفي البقرة قال فقط هدى للمتقين. أولاً ما الفرق بين المتقي والمحسن؟ المتقي هو الذي يحفظ نفسه يتقي الأشياء، المُحسِن يحسن إلى نفسه وإلى غيره (وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ (77) القصص) (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (83) البقرة) الإحسان يتعداه إلى نفسه وإلى غيره. إذن الإحسان لا يقتصر على النفس أما التقوى فتقتصر على النفس، الإحسان إلى الآخرين من الرحمة فلما رحموا الآخرين وتعدى إحسانهم إلى غيرهم فرحموا الآخرين ربنا يزيد الرحمة، أما التقوى للنفس وهؤلاء إحسان للنفس وإلى الآخرين والإحسان إلى الآخرين هي الرحمة فلما زادوا هم زادهم والجزاء من جنس العمل، حتى في الآخرة زاد لهم الجزاء قال تعالى في الآخرة (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ (26) يونس) وهذه رحمة، فكما زاد الجزاء لهم في الآخرة زاد لهم في الدنيا، ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ و ﴿هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ﴾. ولو لاحظنا أن هذه الأوصاف هدى ورحمة للمحسنين هي مناسبة لما ورد في عموم السورة وما شاع في جو السورة، قال هدى ورحمة وإحسان، لو لاحظنا مظاهر الهدى المذكورة في سورة لقمان قال (أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ (5)) (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ (15)) الذي يسلك السبيل يبتغي الهداية، هذا هدى، (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (20)) لم يكتف بالهدى والكتاب وإنما كتاب منير والإنسان يستعمل الإنارة للهداية وليس كتاباً فقط. ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى﴾ العلم هدى والكتاب ليس فقط كتاب وإنما كتاب منير وموصوف بالإنارة والإنارة لغرض الهداية لأن الإنسان إذا مشى في الظلام لا يهتدي. من مظاهر الهدى في لقمان النكير على الضالين والمضلين (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ (6)) الإضلال نقيض الهداية، (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (11)) الهداية في سورة لقمان يشيع بها الجو، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)) إذن جو الهداية شائع في لقمان. ثم الرحمة لما ذكر قوله تعالى ﴿أن تميد بكم﴾ هذا من الرحمة، ولما ذكر تسخير ما في السموات والأرض وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (20)) هل هناك أعظم من هذه الرحمة؟ من مظاهر الإحسان إيتاء الزكاة أليست الزكاة إحساناً للآخرين (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ (22))، الإحسان في الوصية بالوالدين والإحسان إليهما، إذن جو السورة كلها شائع فيه الهدى والرحمة والإحسان وهذه ليست في البقرة وإنما سورة البقرة ذكرت أموراً أخرى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)) (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)) وصف كثير ثم انتهى (أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)) أما في لقمان فاختصر ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾. في لقمان كرر كلمة ﴿هم﴾ في البقرة لم يكررها ﴿وبالآخرة هم يوقنون﴾. *(هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ (3) لقمان) ما دلالة نصب كلمة رحمة؟ فيها وجهان هي إما مفعول لأجله أو حال.

ﵟ الم ﵞ سورة لقمان - 1


Icon