الوقفات التدبرية

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن...

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (6)) اللهو كل باطل يلهي عن الخير. لهو الحديث هو السمر بالأساطير والأحاديث وما لا خير فيه من الحديث قول الخنا ﴿الفحش﴾ وما إلى ذلك. كل ما لا خير فيه من الكلام وساقط القول والكلام في الأساطير والخرافات هو من لهو الحديث. مما ذُكِر في سبب نزول الآية قيل أنها نزلت في النضر بن الحارث كان تاجراً يخرج إلى فارس فيشتري من قصص الأعاجم ويأتي ويحدِّث بها قريش ويقول محمد يحدثكم بأخبار عاد وثمود وأنا أحدثكم بأخبار رستم والأكاسرة فيقص عليهم قصصاً فيستمعون له. يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله وهي عامة يدخل فيها كل هؤلاء وكل من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله. ولهو الحديث هو كل ما لا خير فيه من ساقط القول يدخل في اللهو. ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ هل يشتريه بغير علم؟ أو ليضل بغير علم؟ المفسرون قالوا قسم منهم قال يشتري بغير علم بالتجارة لا يعلم ماذا يشتري هل هو في صالحه أم لا؟ لأن الإنسان لما يشتري يشتري شيئاً لصالحه وهذا لم يشتري لصالحه شيء هو المفروض أن يشتري ما فيه نفع له لكن ما يشتريه ليس في صالحه وإنما سيورده موارد الهلكة والمفروض أن يشتري الحكمة وليس الأساطير والخرافات فإذا أراد أن يشتري المفروض أن يشتري ما فيه نفع له وللناس، فإذن قالوا هو يشتري من غير علم بالتجارة وماذا ستؤول إليه هذه البضاعة هل تؤول إلى صالحه؟ هل تؤول إلى ما فيه خير؟ إلى فلاحه في الدنيا والآخرة؟ أم هو كلام ليس فيه فائدة وفيه خسارة له في الآخرة؟. يشتري بغير علم بالتجارة وغير بصيرة بها. كان أفضل لو اشترى ما فيه حكمة وما فيه منفعة. وقسم قالوا ليضل الناس بغير علم وهو لا يعلم ماذا يتكلم؟ هو يضل الناس ولا يعلم ماذا يفعل؟ فهو يضلهم وهو لا يعلم ماذا يفعل وحتى لو علم فهذا ليس في صالحه لأنه أدى إلى إضلالهم وتكون عاقبة من أضل عليه ويحمل وزره ووزر من اضلهم (لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ (25) النحل). إذن هل المقصود يضل الناس بغير علم هو لا يعلم طريق الهدى فكيف يهديهم؟ إذن هو يضلهم عن سبيل الله. إذن قسم قالوا يشتري بغير علم لا يعلم ماذا يشتري غير بصير بالتجارة وقسم علقه يضل الناس بغير علم فأضلهم وهو لا يعلم ماذا يفعل وأنا أميل إلى أنه من التنازع أي الاثنين معاً أي يشتري بغير علم ويضل بغير علم وهذا باب في النحو التنازع يعني مثل يسبحون ويحمدون الله أي يسبحون الله ويحمدون الله، أكرمت وأعطيت زيداً فعلان يتنازعان على واحد المفروض أكرمت زيداً وأعطيت زيداً، هذا تنازع. إذن يشتري بغير علم ويضل بغير علم كلاهما وباب التنازع موجود في النحو كثيراً. كون أكثر من فعل أو أكثر من إسم يشتركان في متعلق واحد وفي معمول واحد يصير هناك تنازع "حضر وسافر محمد"، الكلام فيه كثير في اللغة. بغير علم مرتبطة بمن يشتري ومن يضل كليهما وتكون معمولة لكليهما ولهذا سموه تنازعاً لأن الفعلين يتنازعان مفعولاً واحداً، لما تقول أعطيت وأكرمت زيداً (زيداً) مفعول به للفعلين إذن بغير علم للإثنين يشتري بغير علم ويضل بغير علم فتكون الخسارة مضاعفة الذي يشتري بغير علم خاسر والذي يضل الناس يخسر فالخسارة مضاعفة وكونه بغير علم لا يعفيه من المسؤولية. ربنا قال (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف) كونه لا يعلم لا يعفيه من المسؤولية. قال إنهم (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (37) الزخرف) لا ينفعه حسبانه أنه مهتدي ينبغي أن يكون على هدى من ربه. ﴿ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون﴾ هذا لا يعفيه من المسؤولية ولذلك لما قال بغير علم فهذه خسارة أخرى هو يضل نفسه ولكن يضل الآخرين فيتحمل وزرين وزر نفسه ووزر الآخرين وسيكون أخسر الأخسرين. * بدأ الآية بالمفرد ﴿من يشتري﴾ وانتهى بالجمع ﴿أولئك﴾ فهل هنالك رابط؟ لما قال ليضل عن سبيل الله هذا سيكون تهديداً له ولمن يضلهم التهديد ليس له فقط هو فجمعهم في زمرته هو ومن يتبعه المُضِل والضال إذن ليسا واحداً وإنما أصبحت جماعة. إذن هذا تهديد له ولكل من يضله ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾. في آية أخرى قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) البقرة) قال ﴿فحسبه جهنم﴾ لأنه لم يذكر أحداً معه بدأ بالمفرد وانتهى بالمفرد لأنه لم يتعلق بالآخر فقال فحسبه ولما هنا تعلق بالآخرين فقال أولئك لهم عذاب مهين. *قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا (6)) عطف بدون اللام مع أنه في موضع آخر في القرآن عطف باللام مثل في قوله تعالى (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً (12) الإسراء) فما اللمسة البيانية في هذه الآية؟ الآية التي كنا ذكرناها وبينا قسماً منها هي قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (6)) لماذا لم يكرر اللام في (يتخذها)؟ المعلوم المقرر في قواعد النحو أن التكرار آكد من عدم التكرار مثلاً عندما تقول مررت بمحمد وبخالد أقوى من مررت بمحمد وخالد الذكر أقوى هذه قاعدة وآكد. إذن عندنا هنا أمران: هو لماذا يشتري لهو الحديث؟ ذكر أمران: ليضل عن سبيل الله ويتخذها هزواً هل هما بمرتبة واحدة؟ الغرض الأول هو ليضل عن سبيل الله أما إتخذت الهزو فليس بالضرورة أن يذهب فيشتري فالهزو يهزأ في مكانه السخرية لا يحتاج أن يذهب ويتاجر ويشتري لا يحتاج إذن هما ليسا بمرتبة واحدة، إذن ليضل عن سبيل الله وهو الشراء في الأصل ليضل عن سبيل الله ويتخذها هزوا تأتي بعدها وليسا بنفس القوة وهذا الترتيب له غرض. إذن عندنا أمران بعضهما أقوى من بعض وآكد من بعض، الأول ﴿لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ والثاني دونه في التوكيد ﴿وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا﴾ فحذف اللام. أما في الآية ﴿لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ ذكر أمران كلاهما له مكانة في الأهمية ﴿لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ هل يمكن أن نعيش بدون معرفة السنين والحساب؟ والابتغاء؟ كلاهما مهمان في الحياة علم السنين والحساب ضروري في الحياة وفي خارج القرآن لو قال في الآية لتبتغوا فضلاً من ربكم وتعلموا عدد السنين والحساب تصبح دونها في التوكيد والأهمية وهذه قاعدة. مررت بمحمد وبخالد آكد من مررت بمحمد وخالد وآكد منهما مررت بمحمد ومررت بخالد. مثال آخر: (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) آل عمران) ليعلم الله باللام ويتخذ بدون لام (وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) آل عمران) ليعلم الله الذين آمنوا منكم لا يتخلف منه أحد كل واحد ربنا تعالى يعلم علماً يتعلق به الجزاء. لكن هل يتخذ منهم كلهم شهداء؟ كلا إذن ليسا بنفس المنزلة، يتخذ شهاد من قسم قليل منهم. وليمحص الله الذين آمنوا لا يتخلف منه أحد لكن ويمحق الكافرين فقط. هذا يدرس في علم البلاغة في غرض التوكيد الذكر والحذف، يذكر لعِلّة ويحذف لعِلّة. عطف بدون تكرار للحرف الأول وعندنا قاعدة الذكر آكد من الحذف. من هنا نفهم لماذا قال تعالى في آية لقمان ﴿لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا﴾. *(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذُهَا هُزُوًا (6) لقمان) يتخذُها مرفوعة بقراءة ورش فلماذا جاءت يتخذها بالرفع؟ إذا كانت في المصحف فهي قراءة، يتخذُها بالرفع معطوفة على يشتري وإذا كانت بالنصب معطوفة على ﴿ليضلَّ﴾ وكلاهما صحيح فصيح. .

ﵟ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﵞ سورة لقمان - 6


Icon