الوقفات التدبرية

.(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي...

.(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)) *على من يعود الضمير في ﴿ترونها﴾؟ هذا بحثه القدامى في الناحية اللغوية وبحثه الفراء في كتابه معاني القرآن هذه تسمى التعبيرات الاحتمالية يعني تحتمل أكثر من دلالة ولذلك هم قالوا يحتمل هذا التعبير أنه خلق السموات بغير عمد وهاأنتم ترونها بغير عمد فتكون ترونها جملة استئنافية فيكون السماء مرفوعة بغير عمد وهاأنتم ترونها بغير عمد فيكون المعنى خارج القرآن خلق السموات ترونها بغير عمد. الإحتمال الآخر ترونها صفة لعمد يعني بغير عمد مرئية يعني خلقها بعمد غير مرئية لها أعمدة لكن لا تُرى هذه الأعمدة غير مرئية. القدامى هكذا قالوا هذا التعبير يحتمل أمرين إما أن يكون خلقها بغير عمد وهاأنتم ترونها مرفوعة بغير عمد (ترونها استئنافية) وإما ترونها صفة لعمد، أراد أن يجعلنا نفكر فيها وفي المستقبل سينتهون إلى ما ينتهون إليه فقد تكون هي مرفوعة بغير عمد وقد تكون هنالك أعمدة غير مرئية كالجاذبية مثلاً. البعض في الإعجاز العلمي يقولون أن هنالك أعمدة ولكن لا نراها. أيهما أدل على القدرة؟ أن تكون بغير عمد أو تكون بعمد؟ كلها قدرة وهو سبحانه خلق الأسباب مثلاً تقول أيها أدل على القدرة أن يخلق الإنسان بأب وأم أو من غير أب وأم؟ كلها قدرة. هو خلق الأسباب الأخرى من المطر الذي ينبت الزرع، يخلق الأسباب أو يضع أسباب أو لا يضع أسباب خلقها بغير عمد أو بعمد كما خلق آدم من غير أب ولا أم وخلق حواء من ذكر بلا أنثى وخلق عيسى من أم بلا أب وخلق من عقيم وخلق من غير زوج وهو سبحانه يفعل ما يشاء والله أعلم قد يأتي زمان نفهم هذه الآية. الآية تحتمل المعنيين وأهل اللغة القدامى قالوا تحتمل وتحتمل أنها استئنافية. الذي يحدد الأمر هو الأمر العلمي والذي يقطع فيها ما يكتشف ويحدد من حقيقة علمية. هذا التعبير بهذا الشكل يسير على نهج العرب وأصل الجمل في العربية على قسمين تعبيرات ذات دلالة احتمالية وتعبيرات ذات دلالة قطعية. (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا (275) البقرة) هذه قطعية، لا رجلٌ حاضراً احتمالية، لا رجلَ حاضرٌ قطعية، ما رجلٌ حاضراً احتمالية، ما من رجل حاضر قطعية. يقولون إشتريت قدح ماءٍ احتمالية، اشتريت قدحاً ماءً قطعية لأنك إشتريت ماء بمقدار قدح ولم تشتر القدح، اشتريت قدح ماءٍ احتمالية قد تكون اشتريت القدح وقد تكون اشتريت الماء. إذن ﴿ترونها﴾ الضمير يعود على السماء أو على العمد تعبير احتمالي والناس في المستقبل يستنبطون (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (53) فصلت). *قال تعالى في سورة لقمان ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ وفي سورة الرعد قال ﴿اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾ فما الفرق بين رفع وخلق؟ كل تعبير مناسب لمكانه لو نظرنا في الرعد قال (المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ (1) اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)) لما قال ﴿وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ﴾ الإنزال إنما يكون من فوق أي من مكان مرتفع فناسبها رفع السموات. ثم استوى على العرش ﴿اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ العرش فوق السموات إذن رفع السموات حتى تكون مرتفعة. ثم قال ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ وهي من الأجرام السمواية وهي مرتفعة إذن يناسب رفع السموات. أما في لقمان فليس فيها شيء من ذلك بعد هذه الآية في لقمان قال (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ (11)) خلق الله مناسب لخلق السموات (خلق السموات) ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ﴾. إذن السياق في الرعد يناسبه رفع السموات والسياق في لقمان يناسبه خلق السموات وبعدها ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ﴾ فكل تعبير في مكانه. ﴿بغير عمد﴾ ﴿غير﴾ معناها اللغوي المغايرة ولها معاني كثيرة وأحياناً تكون نافية. وقد يكون هذا المعنى محتملاً في الآية تنفي الأعمدة. يقول بغير علم ينفي العلم. إذا نفت العمد في الآية المسألة في ﴿ترونها﴾ هو نفى بعمد غير مرئية. لما تقول ما جاءني رجل كريم تنفي الكريم من الرجال وليس عموم الرجال، ما جاءني رجل يحمل حقيبة يحتمل أنه جاء رجل لا يحمل حقيبة. هذا تقييد والقيد لا ينفي العموم، خلق السموات بغير عمد مرئية أو بغير عمد أصلاً. تقول جاء بغير كتاب أجنبي، جاء فلان بغير كتاب مقرر، هل جاء بغير كتاب؟ محتمل، جاء بكتاب غير مقرر، إذن جاء بكتاب إذن جاء بغير كتاب مقرر ما أطلق النفي لأنه طالما جاء بصفة اصر قيداً. هي تحتمل أيضاً، الآن تحتمل نفي القيد. يقول تعالى (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) الإنسان) هو لم يكن شيئاً أصلاً أو كان شيئاً ولم يكن مذكوراً؟ يحتمل أنه كان شيئاً لكنه كان شيئاً غير مذكور أو لم يكن شيئاً أصلاً فيحتمل المعنيين، ذكرت القيد فيصير احتمالين حتى المفسرين يقولون لم يكن شيئاً أصلاً مذكوراً أو غير مذكوراً، وقسم قالوا كان شيئاً لكن غير مذكور، كيف كان شيئاً غير مذكور؟ النفي يحتمل ولذلك قالوا لم يكن شيئاً مذكوراً لما لم ينفخ فيه الروح، كان طيناً قبل أن ينفخ فيها الروح كان شيئاً لكنه لم يكن مذكوراً أنت إذا ذكرت القيد يصير الإحتمال لذكر القيد. * ما دلالة الآية (ألقينا فيها رواسي) ألم تكن الجبال مخلوقة من قبل؟ قال تعالى في سورة لقمان (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)). هذا سؤال يجب أن يُوجّه إلى المعنيين بالاعجاز العلمي. لكن أقول والله أعلم أن الملاحظ أنه تعالى يقول أحياناً ألقينا وأحياناً يقول جعلنا في الكلام عن الجبال بمعنى أن التكوين ليس واحداً وقد درسنا أن بعض الجبال تُلقى إلقاء بالبراكين (جبال بركانية) والزلازل أو قد تأتي بها الأجرام المساوية على شكل كُتل. وهناك شكل آخر من التكوين كما قال تعالى في سورة النمل (أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)) وسورة الرعد (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3))، وهذا يدل والله أعلم على أن هناك أكثر من وسيلة لتكوين الجبال. وكينونة الجبال تختلف عن كينونة الأرض فالجبال ليست نوعاً واحداً ولا تتكون بطريقة واحدة هذا والله أعلم. *(خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا (10) لقمان)؟ هل يمكن أن تعني الآية وجود العمد لكنها غير محسوسة؟ القدامى قالوا فيها احتمالان جعلوها من الجمل الإحتمالية حتى الفرّاء قال يمكن أن تكون خلقها بغير عمد أو خلقها بعمد غير مرئية. فيها احتمالان من حيث التعبير: بغير عمد وهاأنتم ترونها تصير ﴿ترونها﴾ جملة ابتدائية أو خلقها بعمد غير مرئية. الهاء في ترونها تعود على السماء أو على العمد. إذا عاد الضمير على السماء تكون السماء بغير عمد، ها أنتم ترونها بغير عمد (ترونها تكون جملة ابتدائية) والاحتمال الثاني بغير عمد ترونها ﴿ترونها﴾ جملة صفة لعمد، بغير عمد مرئية (الجُمَل بعد النكرات صفات) هناك أعمدة لكن لا ترونها. القدامى قالوا هذه الآية فيها احتمالان والله أعلم. *مرة يقول تعالى أن تميد بكم ومرة لا يقولها فما اللمسة البيانية فيها؟ الآية سبق أن ذكرناها وقال ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ﴾ أن تميد بكم أي كراهة أن تميد بكم أو لئلا تميد بكم كما يقول النحاة، المعنى لماذا ألقى الرواسي؟ لئلا تميد بكم يقولون كراهة أن تميد بكم أو لئلا تميد بكم (إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) هود) يعني لئلا تكون من الجاهلين، (فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى (282) البقرة) كراهة أن تضل إحداهما أو لئلا تضل. إذن أن تميد بكم يعني لئلا تميد بكم. يبقى السؤال أحياناً يقول أن تميد بكم وأحياناً لا يقول أن تميد بكم (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ (3) الرعد) من دون أن تميد بكم. في مواضع قال أن تميد بكم أو تميد بهم وفي مواضع أخرى لم يقل هذا الشيء والسبب أنه إذا أراد بيان نعمة الله على الإنسان يقول أن تميد بكم وإذا أراد فقط أن يبين قدرة الله فيما صنع وليس له علاقة بالإنسان يعني إذا اراد بيان النعمة على الإنسان لهذا الأمر قال أن تميد بكم لماذا خلقها؟ فيها نعمة لئلا تميد بهم وإذا أراد مجرد بيان القدرة في الصنع وليس له علاقة بالإنسان لا يقول هذا لأن الكلام لا يتعلق بالإنسان وإنما يتعلق بصنع الجبال والرواسي. أن تميد بكم هنا لبيان نعمة الله على الإنسان هنا قال ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ﴾ هنا الغرض بيان نعمة الله على الإنسان في هذه الرواسي. أولاً هذه مرتبطة بقوله تعالى بدأ السورة (هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ (3)) عدم ميد الأرض بهم أليست من الرحمة؟ بلى إذن هي مرتبطة بالرحمة التي ذكرها في أول السورة لما قال ﴿هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ﴾ وهذه من الرحمة. وهي مرتبطة بالآية السابقة (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9)) إذن بيّن حكمة إلقاء الرواسي في الأرض، الحكمة منها عدم ميد الأرض، إذن هي مرتبطة بالرحمة وبالحكمة. إذن هذه مناسبة للإسم الحكيم، مناسبة في الأولى للرحمة ﴿هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ﴾ ومناسبة لاسمه الحكيم في الآية التي قبلها ففيها ارتباط مناسب من الجهتين. الرواسي رسى بمعنى ثبت، رواسي يعني ثابتة جبال تثبتها. لم يقل جبال مع أنه استخدمها في القرآن. هو قال ﴿وألقى في الأرض رواسي﴾ وأحياناً يقول (جعل في الأرض رواسي) ألقى في الأرض رواسي وقبلها قال ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ فإلقاء الرواسي مناسب للعِزّة لأنه عزيز حكيم. ألقى دلالتها متقاربة من جعل، الجبال قسم منها ملقاة تأتي من فوق صخور تسقط من فوق وقسم يخرج من البراكين ثم تسقط، اختيار هنا الإلقاء مناسب للعزيز الحكيم لما ذكر عزته وحكمه قال وألقى حاكم يلقي الأوامر كما يشاء ويلقي الجبال فهي مناسبة إذن للعزيز الحكيم وفيها قوة. إذن ألقى في الأرض مناسبة للعزيز وأن تميد بكم مناسب للحكيم. فإذن هي أيضاً مناسبة للعزيز الحكيم. يجب دراسة الكلمات في القرآن من سياقها وارتباطها ببعض والمقاصد العامة للسورة ولا ينبغي أن نسلخ آية من السياق العام. قال رواسي هنا وفي آيات أخرى يذكر الجبال. المقصود بالرواسي الثوابت حتى تثبت لما يذكر مجراها ومرساها (حين تقف)، (بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا (41) هود) مسيرها وإرساؤها. الرواسي أن تميد بكم أي تثبتها. لما كان اختيار الرواسي بمعنى الثوابت لا يستخدمها يوم القيامة عند زوالها، كيف رواسي وكيف سُيِّرت؟ (وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20) النبأ) (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) الحاقة) ولذلك في يوم القيامة لا يستعمل الرواسي مطلقاً لأن يوم القيامة الجبال فيها حركة ورفع ودك ونسف (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ (5) القارعة) لا يستعمل في يوم القيامة الرواسي وإنما يستعمل الجبال. هنا ﴿أن تميد بكم﴾ مناسب للرواسي. *يقول تعالى (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10)) قال في آيات أخرى (وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) ق)؟ أول مرة قال أنزلنا بإسناد الإنزال إلى نفسه سبحانه تعالى وهذا يسمونه إلتفات لأهمية الماء للإنسان. أنزلنا فيها ضمير التعظيم مع أنه قال ﴿وألقى﴾ أول مرة فالتفت تحول الضمير لبيان النعمة في إنزال الماء وإنبات ما ذكر من الأزواج فهذا الإللتفات حتى يبين سبحانه وتعالى نعمته على الإنسان فقال ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾. من كل زوج أي من كل صنف فالزوج تأتي بمعنى الصنف (وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) الواقعة) (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) الصافات). لكن لماذا اختار هنا زوج كريم وفي مكان آخر زوج بهيج؟. الكريم هو بالغ الجودة والنفاسة كثير الخير والمنفعة، والبهيج الذي يدخل البهجة على النفوس، إختيار كل كلمة لماذا اختار هنا بهيج وهنا كريم؟. يذكر هنا أن لقمان آتاه الله الحكمة (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ (12)) والحكمة هي بالغة الخير والنفاسة (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269) البقرة) فإذن هذا الكرم مناسب لذلك الخير الكثير الذي في الحكمة. هذا زوج كريم بالغ الخير والنفاسة والجودة هكذا قال تعالى ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ﴾ والحكمة بالغة الخير والنفاسة والخير الكثير لأنها مناسبة لما سيذكر بعدها من الحكمة. قد يسأل سائل لم تعددت الأوصاف والزوج واحد؟ ننظر ماذا قال تعالى في سورة ق (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)) إلى أن يقول (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ (10)) لما قال وزينها أليست الزينة لإدخال البهجة على النفوس؟ بلى، إذن كلمة بهيج مناسبة للزينة التي ذكرها في السماء ﴿مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ هذه تدخل البهجة والزينة تدخل البهدة والزينة أصلاً تدخل البهجة على النفوس ثم يقول ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ﴾ كلها يدخل البهجة. كما في سورة الحج (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)) ناسب بين الهمود وبين البهجة، هذه هامدة لا بهجة فيها مطلقاً فالوصف بحسب السياق الذي ورد، هناك كل زوج كريم لما تكلم عن نفاسة الحكمة وما سيأتي من الخير الذي ذكره في الحكمة قال من كل زوج كريم مناسب لما سيذكر ولما ذكر الزينة والنخل باسقات قال بهيج مناسب للبهجة. الموصوف قد يكون واحداً لكن الصفات تختلف وتتعدد بحسب ما تريد أن تذكره أنت في السيقا فإذا أردت أن تصف شخصاً بالعلم تقول هو عالم، الكلام على أي شيء من الصفات الكلام على الخلق تقول هذا صاحب خلق وإذا كان الكلام على الدين تقول هو تقي فالصفات تتعدد بحسب المقام والسياق.

ﵟ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ۚ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﵞ سورة لقمان - 10


Icon