الوقفات التدبرية

(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ...

(وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)) نلاحظ أن لقمان انتقل بابنه إلى الآداب في معاملة الناس وكيف ينبغي أن يعامل الناس فنهاه عن التكبر وتصعير الخد ﴿ولا تصعر﴾ والتصعير هو إمالة الخد كِبراً يشيح بوجهه تكبراً وإعراضاً، صعّر خده أي أماله كِبراً والمرح هو النشاط مع الخيلاء والزهو، يعني هو معجب بنفسه. المختال هو المتكبر وقالوا المختال هو الصلِف المتباهي الجهول المُعجَب بنفسه. *قال تعالى ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾ لم يقل على الأرض؟ مختال أولاً هو إسم فاعل يصلح أن يكون إسم فاعل وإسم مفعول. مختال فعله الثلاثي خالَ (خالَ بناتك الضرر) إختال زيادة في الاختيال في التكبر فيها مبالغة، إذن المختال هو المبالغ الأصل هو خال خائل، إختال أبلغ في هذا الوصف ومختال أبلغ في هذا الوصف. فخور صفة مبالغة (فعول) إذن مختال مبالغة وفخور مبالغة. قال لا تمش في الأرض ولم يقل على الأرض مع أنه قال في موطن آخر قال (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا (63) الفرقان). ﴿في﴾ تفيد الظرفية و﴿على﴾ للإستعلاء كأن هذا المختال يريد أن يخرق الأرض وهو يمشي كما قال تعالى (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ (37) الإسراء) فالمختال يمشي في الأرض هكذا. أما عباد الرحمن يمشون على الأرض هوناً بوقار وسكينة وليس في الأرض كما يفعل أولئك. ﴿على﴾ تفيد الإستعلاء و﴿في﴾ تفيد الظرفية قال تعالى (أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ (5) لقمان) (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (24) سبأ) فالهدى استعلاء، إستعلاء على السوء وعلى الشر وعلى السفاسف. لذها قال تعالى ﴿في الأرض﴾ لأنه فيها تكبر وخيلاء وفخر و﴿على﴾ فيها استعلاء وهذه صفة عباد الرحمن. نلاحظ أن الأبنية في الآية كلها تفيد المبالغة (ولا تمش في الأرض، مرحاً) مرحاً حال جاء بها على وزن المصدر ﴿مرح﴾ هذا يفيد المبالغة إذا أتيت بالحال مصدراً فهو المبالغة قطعاً عندما تقول جاء ركضاً أبلغ من جاءك راكضاً وكما قال تعالى (ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا (260) البقرة) أبلغ من ساعيات لأن أخبرت عن الذات بالحدث المجرد كأنه ليس شيء يثقله من الذات أصبح حدثاً مجرداً. في الأرض مبالغة في المشي، ومرحاً مبالغة، ثم إنّ توكيد، ومختال فيه المبالغة من افتعل، وفخور مبالغة يعني كل أبنتيها وكل ترتيبها للمبالغة. *ختمت الآية فى الحديد ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ وفي لقمان قال (إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18)) ما دلالة التأكيد في لقمان؟ المختال هو المتباهي على الخلق المتكبر والفخور يفخر عليهم لكن إحداهما في السلوك والأخرى في القول. المختال في السلوك والفخور في القول فنهى عن ذلك يذكرون آباءهم بالشعر كما فعل العرب في الشعر. فربنا سبحانه وتعالى لا يحب التكبر لا في القول ولا في السلوك فجمعهما. مختال من فعل إختال وكلاهما للمبالغة مختال وفخور كلتاهما صيغتا مبالغة. إختال أصل الفعل خال أي تكبّر واختال هو الزيادة في التكبّر (افتعل) مثل جهد واجتهد وصبر واصطبر وفخور من فعول وهي من أشد صيغ المبالغة. مختال صيغة من غير الثلاثي من إختال فعل خماسي وفخور من الثلاثي، صيغ المبالغة لا تأتي من غير الثلاثي إلا الأسماء. قدم التكبر في الفعل على القول لأن الإنسان يتباهى بما عنده إذا جاءه مال ثم يتكلم وأحياناً قد لا يكلم الناس. في لقمان ختمت الآية بالتأكيد بـ ﴿إن﴾. آية لقمان في آداب المعاملات والتصرف بين الناس (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)) وذكر ما هو أسوأ مما ذكر في الحديد ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ وإنما قال (لا تفرحوا بما آتاكم). صعّر خده أي أمال خدّه تكبراً. فذكر ما هو أسوأ في لقمان ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا﴾ ولم يذكر هذا في الحديد لذا احتاج التأكيد في آية سورة لقمان لأنه ذكر فيها الأكثر اختيالاً سوءاً والآيات في حسن التصرف مع الناس. كل ما ذكره في آية لقمان في المعاملات مع الناس وذكر من الصفات ما هو أسوأ فاحتاج للتأكيد ولا يمكن أن يكونا بمرتبة واحدة وخاصة في أمور الكِبر وهذه مقاييس للتعبير دقيقة .

ﵟ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﵞ سورة لقمان - 18


Icon