الوقفات التدبرية

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ...

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)) اللمسات البيانية في الآية: أراد أن يبين ضلالهم وجهلهم بعد أن ذكر مجادلتهم في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير أراد أن يبين ضلالهم وجهلهم وقلة إدراكهم، ما قال اتبعوا ما عندنا أو اتبعوا سبيلنا وإنما قال ﴿اتبعوا ما أنزل الله﴾ لو قال اتبعوا سبيلنا لقالوا سبيلنا أفضل، قال ﴿اتبعوا ما أنزل الله﴾ هذه محايدة هل ما عندهم أفضل مما أنزل الله؟ بالطبع لا. لو قال لهم اتبعوا سبيلنا أو ما عندنا لقالوا ما عندنا أفضل وفيه الكفاية. ثم قال ﴿وإذا قيل لهم﴾ بني الفعل لما لم يسمى فاعله ﴿قيل﴾ لو يذكر فاعلاً معيناً لأنه لا يتعلق الأمر بذكره وحتى لا يُظن أن رفضهم بسبب هذا القائل لأنك أحياناً ترفض القول بسبب قائله (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) الزخرف) حتى في حياتنا قد تقبل القول من أحدهم ولا تقبله من آخر ولذلك قال ﴿وإذا قيل لهم﴾ للمحايدة حتى لا تأخذهم العزة بالإثم. ثم قال (بل نتبع ما وجدنا عليهم آباءنا) أي جعلوا آباءهم بإزاء الله تعالى، لو قالوا لو نعلم أن هذا أنزله الله لأتبعناه لو قالوا ذلك كان يعذرهم السامع حتى يقيم عليهم الحجة، لكنهم قيل لهم ﴿وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله﴾ هم يرفضون الرسالة بحد ذاتها آثروا اتباع آباءهم على ما أنزل الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. ثم قال ﴿أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير﴾ هذا سؤال تعجيب من حالهم، هذا كلام رب العالمين يتعجب من حال هؤلاء ﴿أولو كان﴾ استفهام يُنكر عليهم يثير العجب من حالهم. هم قالوا (بل نتبع ما وجدنا عليهم آباءنا) بإزاء ما أنزل الله، ﴿أولو كان الشيطان﴾ هذا تعجيب من حالهم لأن معتنق كل فكرة يبتغي المآل السعيد والعاقبة الحسنة، وهو ذكر أمرين: الشيطان يدعوهم والشيطان لا شك أنه عدو للإنسان ثم عاقبة من اتبعه عذاب السعير فكيف يتبعونه؟! الداعي هو الشيطان والمآل عذاب السعير فكيف يتبوعه؟ هذه إهانة لكل عاقل أن ينجو بجلده ويفر مما هو فيه إلى ما أنزل الله. الشيطان غرّهم كما غرّ أباهم آدم . الشياطين يدعون إلى عذاب السعير. انتهى كلامهم عند ﴿بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا﴾ ﴿أولو كان الشيطان﴾ هذا كلام الله تعالى، لما قالوا ﴿بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا﴾ الشيطان هو الذي يمنعهم من الإيمان إذن هو منعهم ودعاهم ووسوس لهم وترك ورفض ما دعاهم إليه الله سبحانه وتعالى وفي الحقيقة الشيطان دعاهم إلى عذاب السعير وإلى جهنم. في هذا القول الشيطان دعاهم إلى عذاب السعير. التركيب ﴿أولو﴾ يعني أولو كان ذلك؟ تقول لفلان سأفعل كذا فيقول أول كان كذا؟ تقول ولو كان كذا، ولو فعلت كذا؟ لو فعلت كذا، أولو كان فذ ذلك أذى؟ قال ولو كان في ذلك أذى، برغم أن الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير. الإجابة على أولو كان؟ نقول ولو كان، هذا إصرار عجيب وما التفتوا ولا انتبهوا لأن الشيطان عمّ عليهم. *ما الفرق بين وجدنا وألفينا في القرآن (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) لقمان) (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170) البقرة)؟ نقرأ الآية التي فيها ألفينا والتي فيها وجدنا (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170) البقرة) وفي الأخرى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) لقمان) (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ (104) المائدة). آية ألفينا وآيتين وجدنا. في القرآن الكريم لم يرد الفعل ألفى إلا فيما هو مشاهد محسوس ولذلك قال بعض النحاة أنه ليس من أفعال القلوب، قسم يدخلوه في أفعال القلوب وقسم يقولون لا ليس من أفعال القلوب وإنما في الأفعال المحسوسة المشاهدة. أفعال القلوب قلبية يستشعر بها. وهي فعلاً في القرآن لم ترد إلا مشاهدة. في هذه الآيات في القرآن (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ (69) الصافات) (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ (25) يوسف) (بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا (170) البقرة). ﴿وجدنا﴾ في القرآن وفي غير القرآن وردت قلبية وغير قلبية ومشاهدة وغير مشاهدة مثلاً (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً (37) آل عمران) (وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا (86) الكهف) (وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ (39) النور) (وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ (102) الأعراف) يعني وجدهم يخلفون الميعاد، (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62) الأحزاب) (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا (110) النساء) وجد هي أشمل وتستعمل للأمور القلبية وألفينا للأمور المحسوسة هذا في القرآن أما في غير القرآن ففيها كلام. من حيث اللغة قسم من النحاة يقول هي ليست من أفعال القلوب أصلاً، هذا حكم عند قسم من النحاة. والنحاة في ﴿وجد﴾ هذه لا يختلفون فيها ويقولون هي من أفعال القلوب الأفعال المحسوسة أما ﴿ألفى﴾ فهم مختلفون فيها قسم يقول هي قد تأتي من أفعال القلوب وقسم يقول هي ليست من أفعال القلوب. في القرآن لم ترد في أفعال القلوب وإنما هي محسوسة. ماذا ينبني على هذا؟ التعبير كيف اختلف بالنسبة لهذا الأمر؟ الذي لا يؤمن إلا بما هو مشاهد وحسوس معناه هو أقل علماً ومعرفة وإطلاعاً بمن هو أوسع إدراكاً، أقل، ولذلك عندما يستعمل (ما ألفينا عليها آباءنا) يستعملها في الذم أكثر من ﴿وجدنا﴾، يعني يستعمل ﴿ألفى﴾ إذا أراد أن يذم آباءهم أشد من الحالة، الذم محتلف وقد تكون حالة أشد من حالة في الحالة الشديدة يستعمل ألفينا، يستعملها أشد في الذم. (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170) البقرة) نفى عنهم العقل، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ (104) المائدة) نفى عنهم العلم. أيّ الأشد تنفي العقل أو تنفي العلم؟ نفي العقل أشد. فاستعمل ألفى في نفي العقل ونفي العقل يعني نفي العلم. نفى العقل وفي الثانية نفى العلم، العاقل يمكن أن يعلم لكن غير العاقل لا يعلم. وحتى في الآية الأخرى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) لقمان) الشيطان يدعو العاقل أو غير العاقل" يدعو العاقل لأن غير العاقل غير مكلف، يدعوهم معناه هم أصحاب عقل إذن هو يستعمل ألفى إذا أراد أن يذم أشد بنفي العقل ويستعمل وجد لما هو أقل. سؤال: الجاهليون كانوا يعلمون هذا الكلام ألفى ووجد والفروق الدلالية؟ هم قطعاً يستعملون ألفى في الأمور المادية المحسوسة أكثر ولذلك قال قسم من النحاة أنه ليس من أفعال القلوب. سؤال: إذن كل كلمة في القرآن تحتاج إلى دراسة وإلى علم غزير وليس إلى وجهة نظر أو انطباع القارئ أو الباحث في القرآن الكريم وهناك علاقات ترابطية ودلالية لا بد أن تحتاج إلى علم وأي علم. الإجتهاد مبني على علم وأصحاب علوم القرآن يذكرون شروط للذي يتصدى لهذا العلم، لا يأتي أحد ويقول أنا أفسر القرآن الكريم. .

ﵟ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ ﵞ سورة لقمان - 21


Icon