الوقفات التدبرية

(عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا...

(عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)) يقول المفسرون أن عاليهم تعني فوقهم لكنها في الحقيقة لا تعني فوقهم لأن الفوقية لا تقتضي الملامسة فقد يكون الشيء ملامساً وقد لا يكون إذا كان فوقهم كما في قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) الملك) وكذلك قوله (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (154 النساء)) وقوله تعالى (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) ق) فوقهم هنا تُعرف بالظرف المُبهم الذي ليس له حدود مثل كلمة يمين لا حدود لها كل ما على يميني يمين. وعليه فإن كلمة عاليهم تفيد الملامسة وتعني يلبسونها. وقوله تعالى (وحُلّوا فيها أساور من فضة) هي مقابل ما ذكره للكافرين ﴿سلاسل وأغلالاً وسعيرا﴾ وهنا نسأل لماذا ذكر تعالى أساور من فضة هنا في سورة الإنسان بينما ذكر في مواضع أخرى في القرآن أساور من ذهب (أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31) الكهف) ومرة أساور من ذهب ولؤلؤ (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) فاطر) قسم من المفسرين قال أنها تدل على المعاقبة أو الجمع أي مرة يلبسون ذهب ومرة فضة ومرة يجمعون بينها. فلماذا جاءت ذكر اساور فضة في سورة الإنسان بينما جاءت من ذهب ولؤلؤا في سورة فاطر؟ يجب أن يكون هناك سبب لإختيار كل منها في السورة المناسبة وإذا نظرنا في سياق الآيات في سورة فاطر من قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)) ففي سورة فاطر قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)) وفي سورة الإنسان قال (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً {7} وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً {8}) والأكيد أن الإنفاق سراً وعلانية هو أعم وأشمل من إطعام الطعام على حبه المسكين واليتيم والأسير. ثم إن يتلون الكتاب ويقيمون الصلاة هي أرفع وأعلى من الوفاء بالنذر لأن النذر أصلاً مكروه شرعاً وفي الحديث: "النذر صدقة البخيل" فالأمو التي ورد ذكرها في فاطر هي أعم وأرفع وأعلى مما ورد في سورة الإنسان فتلاوة القرآن أوسع من إفامة الصلاة ولهذا قدّم التلاوة على الصلاة والإنفاق لأن الصلاة لا تصح إلا بتلاوة القرآن والتلاوة تكون في الصلاة وفي غير الصلاة. ثم إن التلاوة والصلاة جاءت بصيغة المضارع بينما جاء الإنفاق بصيغة الماضي لتكرر التلاوة والصلاة أكثر من الإنفاق. فالوصف في سورة فاطر أعلى مما جاء في سورة الإنسان هذا أمر والأمر الآخر أنه تعالى في سورة فاطر ذكر (يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله) بينما قال في سورة الإنسان ﴿إن هذا كان لكم جزاء﴾ ففي سورة فاطر توفية وزيادة وهما أعلى من الجزاء لذا ذكر الؤلؤ وهو الزيادة ، وكذلك في فاطر قال تعالى ﴿إنه غفور شكور﴾ وفي الإنسان ﴿وكان سعيكم مشكورا﴾ فزاد المفغرة على الشكر في سورة فاطر. ثم ذكر في سورة فاطر ﴿ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا﴾ باسناد الفعلين إلى نفسه تعالى وهذا في مقام التكريم ثم ذكر الإصطفاء بالذات وهو من باب التكريم أيضاً. اصطفاهم هذا تكريم والتكريم الآخر هو الإسناد في قوله (أورثناهم). قسّم تعالى المصطفين إلى قسمين ﴿مقتصد﴾ و﴿سابق بالخيرات﴾ ذكر السابقين وهم أعلى المكلفين فلا يناسب معهم أن يذكر الأساور من فضة لأنها قد تدل على أن الفضة للسابقين مه أنه يجب أن يتميزوا لأنهم أعلة المكلّفين ولهذا جاء بأساور من ذهب لؤلؤا ليتناسب مع المذكورين. قوله تعالى في فاطر ﴿ويزيدهم من فضله﴾ (وذلك هو الفضل الكبير) يناسب الزيادة أيضاً لأن هذا الفضل يقتضي الزيادة ذكر المغفرة والشكر مرتين ﴿إنه غفور شكور﴾ و﴿إن ربنا لغفور شكور﴾. من الناحية البلاغية، لمّا ذكر تعالى ﴿يتلون كتاب الله﴾ قال ﴿إنه غفور شكور﴾ بجون اللام ولمّا ذكر الظالم لنفسه والمقتصد ذكر أنهم يخلون الجنّات ذكر اللام في قوله ﴿إن ربنا لغفور شكور﴾ لأنه هؤلاء محتاجون للمغفرة أكثر ولولا المغفرة لما دخلوا الجنة وهؤلاء أحوج إلى المغفرة من الأولين لذا أكد باللام ﴿إن ربنا لغفور شكور﴾ فالتأكيد جاء بحسب الحاجة إلى المغفرة. قال تعالى في سورة الإنسان (حُلّوا أساور من فضة) وفي فاطر ﴿يحلون فيها من أساور من ذهب﴾ فيها تكريم لأن ﴿من﴾ تفترض الكثرة لأنهم أعلى من المذكورين في سورة الإنسان لأنه عندما نقول لأحد مثلاً إلبس هذه الثياب أو البس من هذه الثياب بالتأكيد الثانية أوسع لأن له أن يختار من بين الثياب ما يشاء. ثم قال تعالى (حُلوا) بصيغة الماضي وفي سورة فاطر ﴿يحلّون﴾ بصيغة المضارع وفي الآيتين الفعل مبني للمجهول لكن في سورة الإنسان الإخبار بما هو حاصل أما في سورة فاطر فالإخبار بشيء لم يحدث بعد وفيه إخبارهم أنهم سيدخلون الجنة ﴿يدخلون الجنة﴾ لذا جاءت يُحلّون. يبقى السؤال لماذا قال في سورة الإنسان (يُطاف عليهم ويُسقون ويطوف عليهم) بصيغة المضارع مع أنه قال (جزاهم وحّلوا) بصيغة الماضي وهذا للدلالة على تجدد الطواف والإستمرار فيه فهو لا ينقطع ولا يناسب أن يقول تعالى (طيف عليهم) لذا جاء بصيغة المضارع في الطواف والسقيا. وكذلك يلبسون ويحلون لأن التحلية هي من الحلي والتزيّن. ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ طهور هي صيغة مبالغة على وزن فعول بمعنى الطاهر والمطهِّر والمبالغة فيهما والعرب استعملت كلمة طهور للشيئين وطهور مشتقة بالأصل من الفعل الثلاثي طهُر. الطاهر ليس بالضرورة مطهِّر فكثير من السوائل طاهرة لكنها ليست بالضرورة مطهِّرة. واستعمال طهور هنا مناسب لسياق الآيات وتشتمل المعاني كلها الطاهر والمطهر والمبالغة فيهما. والصيغ لها فروق بيانية فيما بينها مثل غفّار وغفور كلتاهما صيغة مبالغة وكذلك همّاز وهُمزة كلتاهما صيغة مبالغة لكنها ليست متساوية في الدلالة. والعرب كانت تتحدث هذه اللغة فاللسان عربي أصلاً لكن الناس يختلفون فيه فيكون بعضهم أبلغ من بعض ويختلفون في اختيار الكلمات والسياق والبلاغة وتنتهي قمة الإعجاز في القرآن الكريم. فلماذا استخدم كلمة ﴿طهور﴾ في الآية؟ ذكر تعالى في الآيات السابقة من السورة (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)) و (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17)) و﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ ذكر لنا تعالى ثلاثة أنواع من الشراب كل منها أعلى من الذي سبقها أولاً ذكر أنهم يشربون من كأس ﴿كافورا﴾ ثم في الثانية ذكر أنهم يُسقون كأساً ﴿زنجبيلا﴾ هنا الفعل مبني للمجهول وذكر الساقي ﴿ولدان مخلدون﴾ والآنية التي يُسقون فيها (آنية من فضة) ثم الثالثة ذكر تعاله أنه سقاهم ربهم وهذه أعلى الدرجات لم يثل يُسقون ولا يشربون وإنما سقاهم ربهم فهذا الشراب هو أفضل من السابقين لأنه أسنده تعالى إلى الربّ سبحانه وتعالى وهذه الآيات دلّت على أن الشراب أنواع مختلفة. شراباً طهورا كلمة موجزة تحوي معاني كثيرة بينما وصف في الآيات السابقة ما يشربون فيه من آنية وصفاً دقيقاً ولم يذكر في هذا الوصف إلا ﴿شراباً طهورا﴾ وهذا يدل على أن الشيء عندما يكون فوق الوصف لا يذكر شيئاً ولا تستطيع اللغة ولا الوصف أن يعبروا عن هذا الأمر العظيم، كما ورد في سورة الرحمن (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)) وصف البطائن ولم يصف الظاهر ونقول إذا كانت البطائن من استبرق فكيف يكون الظاهر؟ لا يُتصور الظاهر ولهذا لم يُذكر لأنه ما من لغة أو وصف يمكن أن يعبر عما يوجد هناك من نعيم وسعادة مصداقاً لقوله تعالى (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) السجدة). وكذلك عندما يصف لنا تعالى شجرة الزقوم (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) الصافات) لم يراها أحد ولم ترد على ذهن الإنسان وكما أن في الجنة أمور لا يعلمها أحد كذلك في النار. * في سورة الإنسان الآية 21 ﴿عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ﴾ هنا كلمة استبرق هل هي صفة للثياب؟ ولماذا أتت مرفوعة ولم تأت واستبرقٍ؟ الاستبرق غير السندس، السندس قماش والاستبرق قماش آخر. هما نوعان، عاليهم ثياب سندس خضر هذا واحد، وأيضاً هنالك استبرق، العطف على الثياب، وليس من سندسٍ واستبرقٍ. ثياب سندس خضر صفة للثياب واستبرق. ما هو؟ هل هو بالضرورة ثياب أو غير شيء؟ ثياب خضر من سندس، هذه ثياب، واستبرق قد يكون للبطائن لأنه قال أحياناً (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ (54) الرحمن) إذن أمرين السندس شيء والاستبرق شيء آخر. فذكر أمرين. السندس ثياب والاستبرق قد يكون ثياب وقد يكون شيئاً آخر، ولهذا جاءت مرفوعة لأنها ليست معطوفة على سندس وإنما على ثياب. * في القرآن الكريم يستخدم الفعل المضارع في وصف أفعال أهل الجنة (يحلون فيها، يلبسون، يشتهون) أما في أفعال أخرى في الآخرة يستخدم الفعل الماضي فهل من لمسة بيانية في هذا الخصوص؟(د.فاضل السامرائي) ليس دائماً لكن حسب الآية نفسها والسياق (إ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31) الكهف) هذه تدل على المستقبل، ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ﴾ لما كان الكلام على المستقبل جاء بالفعل المضارع ﴿يحلّون﴾ يتكلم عن أمر في المستقبل. لكن في مكان آخر يستعمل الماضي مثلاً في سورة الإنسان قال (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)) لأنه قال (وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)) قال جزاهم، هذا حدث في الماضي لأن الفعل الماضي أحياناً يستعمل بمعنى المستقبل للدلالة على أن هذا بمنزلة الماضي ليس فيه شك. هي أحداث مستقبلة، العرب - والقرآن بالغ فيها كثيراً - يستعملوها بمعنى الماضي بمنزلة الماضي كأن الأمر قد وقع تحقق وثبوت (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ (68) الزمر) لم ينفخ بعد ولم يصعق (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) الحاقة) لم تحمل بعد، (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا (71) الزمر) هذا كله في المستقبل وعبّر عنه بالماضي لتحققه بمنزلة الماضي الذي وقع والذي ليس فيه شك أو بمنزلة أنه حدث (وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)) (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)) جزاهم، تلك الكلام عن المستقبل وهنا الكلام كأنما هو عن الماضي، كل واحدة تناسب كل موقف وكل مشهد وكل حالة.

ﵟ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ ۖ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ﵞ سورة الإنسان - 21


Icon