الوقفات التدبرية

ثم قال بعد ذلك: (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه). ومعنى الآية أن...

ثم قال بعد ذلك: ﴿بل يريد الإنسان ليفجر أمامه﴾. ومعنى الآية أن الإنسان يريد المداومة على شهواته ومعاصيه، ويقدم الذنب ويؤخر التوبة. جاء في (الكشاف) في تفسير قوله تعالى: ﴿ليفجر أمامه﴾ "ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الأوقات، وفيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه. وعن سعيد بن جبير ـ رضي الله عنه ـ يقدم الذنب ويؤخر التوبة، يقول: سوف أتوب، سوف أتوب حتى يأتيه الموت على شر أحواله وأسوأ أعماله". وجاء في (البحر المحيط): " إن الإنسان إنما يريد شهواته ومعاصيه، ويمضي فيها أبداً قدماً راكباً رأسه مطيعاً أمله ومسوفاً بتوبته". وارتباط الآية بالنفس اللوامة واضح، فإن الإنسان ههنا يسوف التوبة، يتباطاً عنها ويغره الأمل حتى يموت، فيدركه الندم ويقع تحت مطرقة اللوم. وانظر بعد ذلك كيف جاء باللام الزائدة المؤكدة في مفعول الإرادة، فقال: ﴿بل يريد الإنسان ليفجر﴾ والأصل أن يقال: (بل يريد الإنسان أن يفجر) لأن فعل الإرادة متعد بنفسه لا باللام كما قال: ﴿يريد الله أن يخفف عنكم﴾ ﴿النساء﴾ غير أنه جاء باللام للدلالة على قوة إرادة الفجور والشهوات عند الإنسان وشدة الرغبة فيها. وهذه مدعاة إلى الندم البالغ، وكثرة لوم الإنسان لنفسه، فارتبط ذلك أحسن ارتباط بالنفس اللوامة. ثم انظر كيف أنه لما بالغ في إرادة للفجور والرغبة فيه، بالغ في اللوم فجاء بصيغة المبالغة، فقال: ﴿اللوامة﴾ ولم يقل (اللائمة) للدلالة على كثرة اللوم، فانظر المناسبة بين المبالغة في الفجور والمبالغة في اللوم، وكيف أنه لما بالغ في أحدهما بالغ في الآخر.

ﵟ بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ﵞ سورة القيامة - 5


Icon