الوقفات التدبرية

وقال بعد ذلك: (فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول...

وقال بعد ذلك: (فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر) . وهذه الآيات كأنها جواب السائل عن موعد القيامة المستبعد لوقوعها. وقد بدأ التعبير بـ ﴿إذا﴾ الدالة على الزمان لأن السائل إنما سأل عن زمنها وموعدها، فكان الجواب بالزمان كما كان السؤال عن الزمان. ومعنى: ﴿برق البصر﴾ دهش فلم يبصر، وقيل: تحير فلم يطرف، وبرق بصره، أي: ضعف. وذكر البصر مع ذكر الشمس والقمر له سببه ومناسبته، فإن البصر يعمل مع وجود الشمس والقمر، أي: مع النور، فإذا لم يكن ثمة نور فلا يعمل شيئاً كما قال تعالى: ﴿ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون﴾ [البقرة]. وفي هذا اليوم قد تعطل البصر كما تعطل الشمس والقمر، فالبصر برق، والقمر خسف، وجمع الشمس والقمر. ثم انظر كيف قال: ﴿برق البصر﴾ ولم يقل ﴿عمي﴾ أو نحو ذلك، فإن المراد تعطيله مع وجوده، كما فعل بالشمس والقمر، فإنه لم يزلهما ويذهبهما، وإنما عطلهما فهو تناسب لطيف. ثم انظر كيف قال: ﴿وجمع الشمس والقمر﴾ إشارة إلى تعطيل الحياة الرتيبة إن استمرار الشمس والقمر على حالهما دليل على استمرار الحياة والدنيا إنما هي أيام وليال، وآية النهار الشمس وآية الليل القمر، فجمعهما معاً دليل على تعطيل الحياة التي كان يردوها مسوفو التوبة، والمغترون بالأمل والذين يقدمون الفجور ممن تقدم ذكرهم بقوله: ﴿بل يريد الإنسان ليفجر أمامه﴾ ثم انظر بعد علاقة ذلك بالنفس اللوامة التي كانت تقدم الفجور، وتغتر بالدنيا ففاجأها ما يستدعي كثرة اللوم. ثم انظر مناسبة ذلك للقسم بـ ﴿يوم القيامة﴾، و﴿اليوم﴾ يستعمل في أحد مدلوليه لمجموع الليل والنهار فناسب ذلك ذكر الشمس والقمر، إذ هما دليلاً اليوم وآيتاه في الدنيا، أما يوم القيامة هذا فهو يوم لا يتعاقب فيه الشمس بالقمر، بل يجمعان فيه فلا يكون بعد ليل ونهار بل هو يوم متصل طويل. وفي هذا اليوم يطلب الإنسان الفرار، ولكن إلى أين؟

ﵟ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ﵞ سورة القيامة - 7


Icon