الوقفات التدبرية

وقال بعدها: (إن علينا جمعه وقرآنه) الملاحظ في هذا التعبير أنه قدم...

وقال بعدها: ﴿إن علينا جمعه وقرآنه﴾ الملاحظ في هذا التعبير أنه قدم الجار والمجرور على الاسم، وذلك لاختصاص والقصر والمعنى أننا نحن المتكلفون بجمعه في صدرك تلاوته للناس صحيحاً كاملاً وهذا مواطن من مواطن القصر، لأنه لا يمكن لأحد غير الله أن يفعل ذلك، فإن تثبيت النصوص في النفس وحفظها لمجرد سماعها وعدم نسيانها، وإلقاءها كما هي على مر الزمن، إنما هو من فعل الله وحده فهو الذي يثبت في النفوس أو يمحو منها ما يشاء. إذن فإن ذلك عليه وحده وهذا التقديم اقتضاه المعنى كما اقتضته الفاصلة. ولو أخر الجار والمجرور لأخل بالمعنى، ذلك أنه يقتضي عدم القصر ومعنى ذلك أنه يخبر بأنه متكفل بجمع القرآن في صدره، وليس المتكفل الوحيد وذلك كما تقول: (يشرح خالد لك هذا الأمر) فإنك ذكرت أن خالداً يشرح له الأمر ولم تفد أن خالداً يخصه بالشرح ولا يشرح لأحد غيره ولو قال: (لك يشرح خالد هذا الأمر) لأفاد أنه يخصه بالشرح ولا يشرح لأحد آخر. فتقديم الجار والمجرور على عامله يفيد القصر غالباً. وهذا موطن قصر، إذ لا يمكن أن يفعل ذلك غير الله تعالى، أعني التكفل بتثبيت القرآن في النفس بمجرد سماعه. وإدخال ﴿إن﴾ يقتضيه المعنى أيضاً في أكثر من جهة: من ذلك أنها تفيد التعليل كما في قوله تعالى: ﴿وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم﴾ ﴿التوبة﴾ فهنا أفادت التعليل وبينت سبب النهي عن تحريك اللسان فقد قال: لا تحرك به لسانك، لأن جمعه في صدرك نحن نتكفل به. ولو لم يدخل ﴿إن﴾ لم يرتبط الكلام ولا نتفى معنى التعليل إذ لو قال: (لا تحرك به لسانك لتعجل به علينا جمعه وقرآنه) لم تجد له هذا الحسن الذي تجد، ولا نفصل الكلام بعضه عن بعض فـ ﴿إن﴾ ربطت الكلام بعضه ببعض وأفادت التعليل. ومن ذلك أنها تفيد التوكيد، وهذا الموطن يقتضي التوكيد إذ إن حفظ الإنسان لكل ما يلقى إليه بمجرد سماعه أمر غريب والتكفل به يحتاج إلى توكيد ولذا جاء بـ ﴿إن﴾ المؤكدة.

ﵟ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﵞ سورة القيامة - 17


Icon