الوقفات التدبرية

*ما دلالة التكرار في قوله تعالى (أولى لك فأولى) (ثم أولى لك فأولى) في...

*ما دلالة التكرار في قوله تعالى ﴿أولى لك فأولى﴾ ﴿ثم أولى لك فأولى﴾ في سورة القيامة؟(د.فاضل السامرائى) التكرار في القرآن الكريم جزء من الإعجاز. والآية فيها عطف على جزء من الآية بالفاء ثو عطف بـ ﴿ثمّ﴾ في الآية الثانية. ﴿أولى لك﴾عبارة تقال على جهة الزجر والتوعّد والتهديد، واشتقاقها من ﴿الوَلي﴾ وهو القرب فهو اسم تفضيل يفيد قرب وقوع الهلاك الويل كلمة دعاء عليهم بأن يليهم المكروه. واختيار هذا الدعاء أنسب شيء هنا فهو دعاء عليهم وتهديد لهم بالويل القريب والشر الوشيك العاجل فهو مناسب لإيثارهم العاجلة وتقديمهم الفجور والشهوات وتأخيرهم الطاعات فكما عجلوا في المعاصي عجّل الله تعالى لهم الويل والثبور وهو مناسب لجو العجلة في السورة . جو السورة هو في إيثار العاجلة عن الآخرة ﴿كلا بل تحبون العاجلة(20) وتذرون الآخرة(21)﴾ ومن حُبّ الشخص للعاجلة عجّل له الويل فاستعمل ﴿أولى﴾. وكلمة ﴿أولى﴾ بعد الموت وفي النزع لأن العذاب يكون قريباً منه في هذه المرحلة. وفي قوله تعالى ﴿أولى لك فأولى(34) ثم أولى لك فأولى(35)﴾ تكرار جزئي في الآية الواحدة وتكرار كلي للآية، فلماذا التكرار الجزئي؟ قال تعالى (فلا صدّق ولا صلّى ولكن كذّب وتولّى) كل واحدة لها أولى لك (أي لكل منها تهديد) لكن هل هذه الأمور كلها متساوية وفي منزلة واحدة؟ (لا صدّق) تعني أنه لم يؤمن بشيء، (لا صلّى) إذا لم يصدّق وفعل ما فعل من مظاهر الطاعة فلا ينفعه، أما إذا كان مؤمناً وتكاسل في الطاعات هذا تُرجى له التوبة والمغفرة ولا يخرج من المِلّة. إذن الأساس الأول هو التصديق فالأمران ليسا بمرتبة واحدة فجعل لكل واحد منها تهديداً. فعدم التصديق أكبر جرماً وضلالاً لأن صاحبه لم يؤمن أصلاً أما عدم الصلاة كما أسلفنا فهو أخفّ. فلذلك كانت قوة التهديد بمقابل قوة الوصف فقال مقابل ﴿فلا صدّق﴾ ﴿أولى لك﴾ فذكر ﴿لك﴾ ومقابل ﴿ولا صلّى﴾ قال ﴿فأولى﴾ بحذف ﴿لك﴾ إشارة إلى عظم الإيمان وأهميته وإشارة إلى أن الصفتين المذكورتين ليستا بدرجة واحدة في الضلال.وزيادة ﴿لك﴾ في قوله ﴿أولى لك﴾ للأهمية كما جاء في سورة الكهف ﴿ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا﴾ وفي الآية الأخرى ﴿ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا﴾. أما لماذا خصصت الصلاة بالذكر فلأن الصلاة هي أهم العبادات. لماذا تكرار الآية ﴿أولى لك فأولى﴾؟ قال تعالى في الآية ﴿ولكن كذّب وتولّى﴾ وكذّب معناها لا صدّق وتولى من معناها عدم الصلاة. فكرر الأمران الأوليان بمعناهما وجاء ﴿كذّب﴾ مقابل لا صدّق وتولّى مقابل لا صلّى لذا كرر التهديد كما في الآية الأولى، وعدم التصديق أو التكذيب هو إنكار للإيمان من أساسه فهو لم يصدّق بالرسالة ولا ببقية أركان الإيمان. وقد ذكر تعالى عدم التصديق وأكده بالتكذيب وذكر عدم الصلاة وأكده بالتولي ولكلٍ تهديد ووعيد فكرره أربع مرات كل وعيد مقابل كل صفة. وجاء بالفاء بين أجزاء الآية ﴿أولى لك فأولى﴾ وجاء بـ ﴿ثمّ﴾ بين الآيتين، وثمّ ليست فقط للتراخي الزمني ولكنها تأتي للتوكيد أيضاً. فلا صدّق ولكن كذّب وكذّب أكثر من لا صدّق وتقتضي الإعلان والإشهار لذا هي أكثر من ولا صدّق. وتولّى هي في عموم الطاعات وهي أكثر من ولا صلّى لذا جاءت ثمّ للتراخي. أما استخدام الفاء في ﴿فأولى﴾ الأولى لأن ما بين العذابين الأوليين عذاب الدنيا وعذاب القبر قريب وكذلك في الآية الثانية لأن ما بين العذابين الآخرين قريب وهو بين يوم القيامة ودخول النار، الآية ﴿أولى لك فأولى﴾ قيلت في حالة الإحتضار يبدأ العذاب في النزع ثم في القبر وبينهما مسافة قريبة لذا جاء بالفاء لقربهما أما الثانية ﴿ثم أولى لك فأولى﴾ جاءت في الحشر والنار وجاء بالفاء بينهما لقربهما اي الحشر والنار أما استخدام ثمّ بين القبر والحشر دلالة على التراخي والفاصل الزمني البعيد بين كل منهما ولأن بين القبر والحشر آلاف السنين، واستخدام ثم يفيد عموم البعد والتباين وليس التراخي في الزمن فقط. فالتكرار للفظ أولى أربع مرات دلالة على أن الويل لك حياً والويل لك ميتاً والويل لك يوم البعث والويل لك يوم تدخل النار.

ﵟ ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ ﵞ سورة القيامة - 35


Icon